جملة قلتها بعد أن وضعت في موقف محرج بعض الشيء، فقد كنت أنا وصديقي قد اشترينا تذاكر لأحد الأفلام واتجهنا نحو المطاعم في أحد المجمعات لأن صديقي ألح عليَّ أن نتناول العشاء قبل الفلم، مع تكراري له أنني متخم بخروف العيد حد التمدد. حاول أن يجعلني آكل أي شيء، وفي النهاية قررت أن آكل البوظة بما أنه الشيء الوحيد الذي قد استطيبه في حال الشبع الذي كنت أعيشه. أخذنا نبحث عن كرسي لكلينا، ولكن دون جدوى، حتى مرقنا على مجموعة من أصحاب الشيب والنظارات الكبيرة فقال أحدهم: هيا بنا نذهب؟ فنظرت نحوه وقلت: ناهضون؟ فقال: بعد ساعتين وأخذ يضحك. ابتسمت ومضيت عنهم بحثًا عن طاولة، كان البحث عن طاولة مهمة شاقة في العيد، وكان تقطيع خروف العيد علي أسهل بكثير من الحصول على كرسي فارغ. وبعد حين وجدنا كرسيين، فذهب صديقي ليطلب عشاءه، بينما جلست على كرسي وقربت الآخر مني، وبينما أنا كذلك، مر بي أحدهم مع أسرته وقال لي: هل أستطيع أن أجلس لأنني أريد أن آكل، ثم رمقني بنظرة ترجي. شعرت بكثير من الإحراج ثم أشرت نحو صديقي الذي لا يكاد يبين من بين المشتريين وبنبرة تملؤها اللباقة عذرًا لكن صديقي يطلب. وجاء غيره بعدها مباشرة وكان يحمل ذات التعابير، حتى جاءني رجل ثم مد يده للكرسي فأشرت إلى كون صديقي يطلب وابتسمت معتذرًا. في تلك اللحظة لاحظت عند ساقه طفلة صغيرة يمسكها بيمينه، نظرت نحو ما جلبه من طعام، يبدو جليًا أنه لطفلته، حينها لم أدرِ ماذا عساي أن أفعل، إن وهبته الكرسي سيأكل أحدنا واقفًا، وإن لم أفعل فكيف أحتمل أن أرى طفلة تنظر لطعامها دون أن تصل إليه لعدم وجود مكان لتجلس فيه، وحين كدت أمد الكرسي ابتعد الرجل وذهب مع ابنته في رحلة البحث عن طاولة فارغة.
بعد بضع دقائق، جاء صبي وأخته وسألني، فاعتذرت منه، فمضى يسأل الفتاة التي تقابلني فمدت له الكرسي وقالت له: أختي ذهبت للحمام، اجلس إلى أن تعود فقد تتأخر قليلًا. امسكت بالهاتف وكتبت: ليس عليك أن تكون لطيفا دائماً، ولكن دائما عليك أن تكون لبقا محاولة لإسكات ضميري وتكميم صرخاته.
ظهر صديقي وسألني: كم شخصًا سألك عن الكرسي؟ قلت له: تبًا كم محرجٌ ما وضعتني فيه. وبدأنا ندردش في أمورنا الخاصة، وبعد مدة طالت وقصرت عادت أخت الصبي لتقف بقرب أخيها، وحين طال وقوفها ودون شعور مني، نهضت، وحركت الكرسي نحوها دون أن انظر حتى لوجهها واتكأت على الطاولة وجلست آكل البوظة وأدردش مع صديقي، تألمت قدمي فلدي قطع في غضروف ركبتيَّ ولا يصلح لي الوقوف طويلًا، وبعد أن أكمل الصبي طعامه، جاءني ومد لي الكرسي لأجلس، فعدت وجلست ورحل هو وأخته، وبقينا ندردش حتى نهاية ذلك اليوم.
همسة: قد نكون لطيفين جدًا فننقص من أطباقنا لنضعه في أطباق الآخرين، أو نجلس أحدهم ونظل واقفين، أو نعير أحدهم نقودًا لأنه محتاج ونضيق على أنفسنا لإرضاء ضمائرنا، لن يجبرنا أحد على أن نتغير أو نصبح أشرارًا أو مجموعة من الأنانيين، ولكن صدقني، ليست كل المواقف تستدعي هذه النزعة، وليس كل سائل نستطيع أن نمد له حاجته، لذلك لا تحزن إن كانت حاجتك قد تغلبت على لطافتك، لكن تذكر ألا تتغلب حاجتك على لباقتك.