esr

أغلب من يراسلني على الجانبين الكتابي والتصويري همهم هو بلوغ هدفهم، إما احتراف التصوير أو امتهان الكتابة. نعم هما عالمان منفصلان ومتصلان بذات الوقت، لكن كلاهما فن قائم بحد ذاته درج البعض لدمجه كما أفعل أو يفعل رواد الإنترنت وراكبوا الموجة. بطبيعة الحال بعض من يأتيني تشعر بأنه قليل الصبر ومستعجل، وهذا ما أود تسليط الضوء عليه بشكل قصير قدر الإمكان. هذه الحروف كتبت أثر محادثة سريعة مع شخص عزيز كان يسألني “وماذا بعد التخرج وأين المصير؟!
فقلت له Build a strong base and then move on أي قم ببناء قاعدة متينة ثم أمضي إلى الأمام، لا يهم إلى أين ستمضي وكيف ومتى، وقد يحتج متطفل ويقول “لماذا قلتها بالإنجليزية”، وسأقول له وأنا اشرب عصير الأناناس: اختبر مستواك في اللغة الإنجليزية ليس إلا.

كثير ما يطمح البعض للوصول إلى القمة أو بلوغ النهاية والتفكير بها أكثر حتى من البداية، هذا الفعل يكبد النفس الكثير من الخسارة في الجانب المعنوي؛ فهو يضعف الحماس ويقلل العزيمة ويقتل الصبر. كمن يطمح بامتلاك سيارة فاخرة في التو واللحظة، ومن يود أن ينهي امتحاناته ليرتاح ومن يود أن يجد وظيفة قبل أن ينهي دراسته أو دراساته، بطبيعة الإنسان أنه خلق عجولا، ولذا من أهم مهماته على وجه الكرة الأرضية أن يهذب هذا النقص في جوانب بينما يتركها في جوانب أخرى تقتضي استعجاله فيها، كالاستعجال بالتوبة قبل أن يدركه الموت، وغيرها من الأمور التي يتحرى التعجل فيها، تعجل الشيء يخلق كائنا هلاميا لا يقوى على الوقوف، كاليرقة لا تخرج حتى يكتمل نموها وإلا خرجت بأجنحة ضعيفة لا تقوى على التحليق.

خطط للمستقبل ولا تفكر ببلوغ القمة بدون عتبات متراصة متسقة. أن تصبح أفضل رسام وأكبر تاجر وأفضل مخترع لا يحدث بين ليلة وضحاها إلا فوق وسادتك، أما على وجهة كرة أرضية يسكنها سبعة بليون شخص فأنت بحاجة لأن تبني قاعدة قوية ثم يمكنك أن تمضي منها إلى حيث تريد، حتى إلى الفضاء، دون أن يجرؤ أحدٌ على إيقافك، أو على أقل تقدير لا تعود إلى نقطة الصفر وإنما إلى قاعدتك التي بنيتها بجهدك طوال سنوات كفاحك.

إن كنت رسامًا فحاول أن تلم بكل مفاهيم الرسم فهذه قاعدتك، وإن كنت كاتبًا فأقرأ ثمَ أقرأ ثم أكتب فقاعدتك هي القراءة، وكما قال غازي: لتكتب صفحة واحدة عليك أن تقرأ مائة صفحة. وفي كل العلوم خذ بالأساسيات ثم انطلق منها، وإلا ستجد نفسك قد ضيعت سنوات عمرك في المكان الخطأ لأنك بدأت بالطريقة الخطأ وربما في بعض الحالات اخترت المجال الخطأ.

لا ننكر أن لكل قاعدة شواذ، وسيأتي قائل بمقال “هنالك من بنوا أضخم المؤسسات دون قواعد.” طبعًا هنالك شواذ معدودين، ولكن من يملك مؤسسة قوية، فهو يملك قاعدة قوية، يقف عليها وإلا لانهارت مؤسسته، فلو تحدثنا مثلًا عن سيسكو، وهي شركة من أهم شركات أجهزة الشبكات والاتصال فقد تأسست على قاعدة بسيطة ولكنها قوية وبنى صاحبها نفسه شيئًا فشيئًا، ولا أريد التحدث عن أمثلة كثيرة واضحة أمامنا. لكن خلاصة القول هنا أننا لا نخوض في أمر القِلة بل في أمر العموم الذي نقيس ونبني عليه قاعدة توضيحية ثابتة.

قد يظن ظانٌ أن مقصدي أن تبني قاعدة ثم تمضي للقمة فجأة، وهذا ليس ما أود أن يصل للمتلقي، بل ما أود إيصاله أنه ما بني على أساس متين فإنه لن يتهاوى على صاحبه، وأنه كلما بنيت قاعدة أكثر ثباتًا كلما ارتفع بناؤك وزاد علوً واستقرارًا. دعنا مثلًا نأخذ بعين الاعتبار العاب الفيديو، أي شخص جرب ألعاب الفيديو الطويلة سيعي أن الشخص بحاجة لإنهاء المرحلة كليًا حتى يتمكن من المواصلة في اللعبة، وأن اللاعب حين يخسر، فإنه يعود لآخر نقطة قام بإنهائها بشكل كامل. هكذا تخيل الأمر، أنك في لعبة، تحتاج لإنهاء كل التفاصيل المهمة التي تخولك أن تمضي، دون أن تخسر كل ما بنيته وتعود لنقطة الصفر.
وفي العالم الحقيقي تخيل بناية شاهقة كل طابق بني بشكل ضعيف غير متقن، مع الوقت ستتصدع وسيتهاوى المبنى كله.

قال أحد مدمني الخمر: إن كل يوم اضيفه إلى الرقم 3000 يضيف ثقلًا على كاهلي ومخاوف قد لا تفهمونها، فهذا الرقم يذكرني دائمًا بأنه قد مضى على انقطاعي عن الخمر 3000 يومًا، وأخشى بل وأعيش حالة رعب من أن أقوم بإعادة العد من جديد، لهذا دائمًا أضع هذا الرقم نصب عيني كي لا أفقد عزيمتي.

تذكر قبل أي شيء أن ما تقوم به من سعي أو دراسة أو قراءة أو تدريب يمهد لك طريقًا لم تكن تعرفه، أو يفتح لك بابًا لم تفكر بأنه قد يفتح، أو يسهل عليك أمرًا ظننته مستحيلًا، لذا لا تقنط وتتساءل ماذا بعد هذا؟ بعده كل خير، فقط انجز ما بين يديك وستجد كل شيء ينتظرك عند نهاية النفق الذي ظننته مظلما ولا نهاية له

اختم بحكمتيَّ هاتين:

“من لا يملك حلمًا لا يملك روحًا، ومن لا يملك هدفًا لا يملك حياة، ومن لا يسعى فهو ميت بجسد يتنفس.”

“لا تركب مصعدًا في مبنى شاهق لا سلالم فيه”

رأي واحد حول “قاعدتك أهم

عطش لزخاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s