20140913_152439_1

سئمت قول أشياء لا تصافح الحقيقية وتدبر عنها دائمًا، لهذا علي اليوم أن أقف وأمد يدي لها. أنا ومذ امتهنت الرحيل أجدني أتمنى العودة وانظر خلفي أحاول رؤية النقطة التي تركتك فيها ولكنني لا أرى سوى أفق الفراق، تغوص قدمي في رمال الأشواق، وتحرقني شمس الفقد ولا أجد أي ماء استسيغه سوى ذلك الواقر في عين الذكريات مالحٌ طعمه، حارق مذاقه أحمر لونه. كنت مضطرًا لحمل كل حقائبي معي، كي لا أعود متحججًا بشيء نسيت معك، حقائبي الأربع كانت أثقل من أن تجعلني أسرع الخطى مبتعدًا.

سيدتي كنت أعلم أن الفراق كان هو أقوى صوت سيخرج من بين ضحكاتنا وغزلنا وهمسنا ولمسنا، كنا نماطله ونغفل أعيننا عنه ونغلق آذاننا عن رؤيته وأعيننا من سماع الحزن الذي سيجلبه، أستطيع أن أصفنا بساق لبلاب، قطعت الظروف أطرافنا أكثر من مرة وكنا نعاود تسلق تلك الجدران حتى نسترق النظر لما خلف سور الحياة علنا نبصر انعكاس لقطعتي شطرنج ملونتين تختارين أنتِ لون بهجتنا وأنا لون الحزن لنثبت أننا المزيج الذي سيستمر مهما طغى لون على لون، أوليس على هذا يقسمان حين توضع الحلقات حول أصابعنا؟ ورغم كل ذلك الضجيج الذي اكتنف أروقتنا كان صدى الفراق أقوى من أن نتجاهله، ففصل بيننا زجاج شفاف. أذكر أنك كنت تحركين شفاهك، ولا أسمعك، وتمررين دمعك ولا امسحه، وتضعين كفك على الزجاج فلا تصل يدي ليدك، كل ذلك كان كفيلًا بأن يعلن رحيلنا نيابة عنا.

سيدتي، كنت ألمح دائمًا بل وأصرح كثيرًا بأنني قد نسيتك ولم يعد في سمائي شمس تبدد غيومي الداكنة وتمنع مطرها من الهرب حين تعصف بي ريح شديدة، كنت تهمسين لي بما يقوله الجميع، ثم تضيفين حزنك وقلقك ودموعك وتخبرينني بثقة وبنبرة أقرب للدعاء أن كل شيء سيكون على ما يرام. سيدتي كنتِ حين أكون في أول الربيع وأشد فتراته إزهارًا تجيدين سقياي فلا يجف ربيع البهجة والفرح بداخلي أبدًا، كنت تقولين ما يقوله الجميع، ثم تضيفين اهتمامك ومودتك وحبك، وهذا جعلك مختلفة لا تشبهين أحدًا من حولي أو حولك.

كانت مشاعري كالحديقة، وكنتِ أنتِ الحياة فيها، كنتِ أنت تغاريد الطيور وأجنحة الفراشات، وأزيز النحل، كنتِ الصوت الذي يعيد الروح، والعشب الأخضر الذي يداوي النفس والجروح. كنت كل شيء، الآن أنتِ في المعادة شوق وحنين وذكريات وحزن دفين، أستعيدك للحظات وأنساك لأيام، وما بين الإثنين أكون تائهًا لا يهتدي لطريق. لا أريد شيئًا منكِ، أريد فقط أن أخبرك أن تعرفي أنني أعيش تلك اللحظة التي قلت لي فيها لن تجد واحدة تشبهني، لن تجد واحدة تشبهني، لن تجد واحدة تشبهني.

وصلت لنهاية الرحيل يشوبني بعض ازرقاق في روحي، واختناق في قلبي، وضيق في صدري، أفتش في صناديقي عن رائحة اللقاء الأخير، عن أي شيء أستعيد فيه لحظة كنت فيها بين يديك. أغلق الباب الآخر المؤدي إليك، وألقي بمفتاحه داخل هذا النص، وأضع النص داخل صندوق ألقيه في اليم فيحمل ذكراك بعيدًا عني، وأعود أنا بذاكرة جديدة، لا تحمل شيئًا يخصك، كي لا أبحث عن أخرى تشبهك.

عطش لزخاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s