أنا الآن رجل في سنته الأولى من عقده الثالث، أحسب ما بقي من عمري لا ما ذهب، فالعمر ينقص فيزيائيا ويزيد رياضيًا، وكلاهما يشير للآخر. اعترف الآن أنني عقلت ما قاله هتلر ذات مرة في سيرته – علمتني الأيام والتجارب التي مرت بي أنه يحسن بالمرء إلا إذا كان ذا موهبة خارقة، ألا يخوض معترك السياسية العملية قبل بلوغه الثلاثين. وحتى هذه السن يكون قد جهز نفسه بالعدة اللازمة للانطلاق وغربلة القضايا والمبادئ والنظريات – وأعلم أن ما قاله قد قاله في صياغ أو لون آخر من ألوان الحياة ولكنني أرى أنه يمكن إسقاط الفكرة على فروع الحياة وأصولها. أشياء كثيرة تبدلت وآراء كثيرة تغيرت ومفاهيم كثيرة دفنت ونبتت دونها أخرى.
لم أوضع في تجارب تغيير كالتي وضعت فيها هذا العام، كنت أقف أمام قرارات لم أكن ندًا لها عاطفيًا ولا علميًا، وأمام تبديلات لم أكن مستعدًا لها لا نفسيا ولا فكريًا. وأمام مهمات لم أكن أعلم لطريقتها بابًا ولا لعملها فكرة، ولكنني صارعت واستخرت ثم استشرت في كل منها، وكنت أرى بعد كل حدث ما اعتبره يقينا أنها تدابير الرحمن في أموري. ألمحها في كل التفاصيل الصغيرة المهملة ما قد تعجب عن تصديقه لغرابة سرده، وما تبتسم لبهجته وجمالية حبكته وتسيير الخالق له ما سأسرده في مقال منفصل.
تخليت عن أراء كثيرة كنت قد تعصبت لها وتزمت في اتخاذها، فتراخيت فيها وتساهلت معها. عرفت أكثر وتعلمت وأنا أكبر وبت أرى بعين رابعة، عينان تريان، وعين تتحسس وتلتقط التفاصيل، وعين تفكر وتفكك الأشياء من حولي وتبحث عن أصولها وتدرس أساساتها. بت حين انظر في المرآة لا أبحث عن انعكاسي بل أبحث عما يمكن لهذا الجسد أن يصنع وإلى هذا العقل أين يمكن أن يصل.
حبي لتصوير النجوم جعلني اتعمق في فهم الكون ومعرفة عظمته وعظمة خالقه والتعمق في القراءة والبحث عنه. في كل مرة أذهب أجدني عالق البصر في تلك الستائر السماوية المضيئة، وتلك الأذرع الملون الجذابة، وتلك الظلمة التي تظهر أكثر مما تخفي. لم أكن أعلم أن الحضارة والتطور وضوء الشمس يحجبون هذا الجمال الساحر الأخاذ وتلك العلوم الجميلة حول أسرار صنعها وعظمة أحجامها ودقة مداراتها.
آن لي أن أقول أن أحمد تغير بشكل كبير جدًا عما كان عليه قبل عام، ولكن بقيت مبادئ كثيرة في محلها ومستودعها لا يحرقها لا شرار ولا يزيحها إعصار، فلا زلت بذات الجنون والهدوء، بذات التهور والتأني، وذات الخجل والجرأة، إنه المزيج الذي يجعلني مستسيغا لذاتي، والخليط الذي يجعلني أنا.
العقد الثالث من عمري سيكون ثريًا بما سطرته لنفسي من أسس بإذن الله، وغنيًا بأصدقاء وأحبة قريبين مني وقريب أنا منهم ومنها هي وحدها التي صنعت عامي الأول من عقدي الثالث طفلٌ يعد سنواته الأولى معها.
نحن نكبر، إذا نحن نتغير.