يعرف الضرب على أنه تصرف فرد (أو مجموعة) عبر اتصال بفرد آخر بدافع خلق مشاعر أو ألم جسدي. ويعتبر الضرب أحد وسائل التعبير عن الغضب والاستياء والتنفيس عنه، وأحد أهم وسائل الدفاع عن النفس. يستخدم الضرب أيضًا كعقاب جسدي للنهي عن تصرف ما عبر بث الخوف فيه من تكرار هذا الألم الفيزيائي المؤذي للنفس والجسد على حد سواء.
ومن المعروف أن الضرب مستويات، أدناه أن يضرب أحدهم الآخر بإصبع أو أي شيء خفيف مع نبرة غاضبة، وأعلاه أن يضربه بشكل مؤذٍ يؤدي إلى موته. مع أن البعض قد يستخف بما سميته أدنى الضرب، إلا أن هذا النوع من الضرب قد يعد قاسيًا على النفس التي لم تعتد أن يستاء الآخرون منها، ويسمى بالضرب النفسي أيضًا، وأحيانًا هذا الضرب النفسي لا يكون باليد أصلًا، إنما فقط بالحديث الغاضب أو الحازم. وفي أحيان كثيرة قد يكون التهديد بالضرب أشد عنفًا من الضرب بحد ذاته على المعنف، خصوصًا إن جاء التهديد من طرف ذو مكانة بالنسبة للطرف الآخر.
واضربوهن، حجة اتخذها البعض لضرب زوجته بسبب وبدون سبب متحججًا بقوله “الله أمرنا، ونحن نأتمر بما أمرنا به الله”، حتى دون أن يصدر منها ما يدعوه لفعل هذا، ومع أن المفسرين تحدثوا كثيرًا في تفسير الآية ودلالاتها وشروطها، إلا أن الأذن التي لا تريد أن تصغي للحق لن تصغي له. والخطاب هنا ليس إلا للعقول التي تريد الحق لتتبعه، وتنأي عن الباطل وتجتنبه. الله عز وجل يقول في كتابه الحكيم: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) المتأمل في هذا الشق من الآية يرى حكمة الله في قوله تخافون، حيث أن الله لم يقل واللاتي نشزن، حتى لا تكون صفة مرتبطة بالمرأة، بل لتوضح أن الأمر لا يتجاوز إلا خروجًا عن فطرة المرأة وهو تعاليها على زوجها (نشوزها) والتكبر عليه مما يتسبب في إفساد العلاقة الزوجية ويهدد استمراريتها. الله في هذه الآية الكريمة لم يبدأ فورًا بـ “واضربوهن” بل سبقها منه الوعظ، ومن ثم الهجر في الفراش، وهما وسيلتان معنويتان مؤثرتان وربما حتى كافيتان لتصحيح النشوز في بعض الحالات، ولأن الله الذي خلقنا يعلم اختلافاتنا، فهو يعلم أن الوعظ قد لا يصلح البعض، فرخص الهجر، ولأن الهجر قد لا يجدي نفعًا مع البعض، حينها فقط وبعد استنفاذ كل التراخيص المتاحة رخص للضرب وهو آخر خيار يلجئ إليه الزوج لتصحيح الوضع بينه وبين زوجته.
القرآن سن بعض الأحكام كعقوبات لأفعال مضرة بالمجتمع بشكل واضح وصريح، فقال: الزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. وفي آية أخرى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة. والجلد (الضرب بالسوط) يعد أحد أقسى أنوع العقاب الجسدي المتكرر المذكورة في القرآن للمسلم في المسائل التي تؤدي إلى فساد المجتمع كرمي المحصن والزنا. وهذه العقوبات لم تسمى ضربًا، بل سميت جلدًا وعددت. حين نقارن ذكر الجلد وذكر واضربوهن نجد أن الله لم يحدد شكل الضرب بشكل صريح، ولكن ولأننا نعلم أن الله رحيم بعباده وعطوف، فلن يأمر الله بضرب يؤذي المرأة، فهذا يخالف آيته وصفاته وسنة نبيه، ونعلم أيضًا أن الله لا يحب المعتدين. لكن مشكلتنا أننا لا نأخذ القرآن جملة واحدة، ونحب أن نحلل كل جزئية على أهوائنا، وتعمقاتنا الفكرية القاصرة، فإن كان الله يقول “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” فأين المودة والرحمة إن كان القصد في المسألة هنا أن يكون الضرب مبرحًا ومتكررًا فيفقأ فيه عينًا أو يصيب كسرًا، -وهي أفعال تستوجب أن يعاقب صاحبها شرعًا -ثم وكيف ستكون الحياة الزوجية بعد الضرب المبرح مستقرة؟ وكيف ستكون فيها مودة؟ فإن كان المراد والهدف في المسألة كلها ألّا تفسد العلاقة الزوجية، فكيف يكون الضرب هنا مبرحًا؟ ولأن مسألة الضرب هنا ليست عقابًا لم يقل الله تعالى “واجلدوهن”.
الله رخص لسيدنا أيوب أن يفي بنذره كي يجلد زوجته مائة جلدة بأن يأخذ ضغثًا أي ملء اليد من الحشيش، ثم يجلدها بيمينه دون أن يؤلمها. (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث). وهنا نجد، أن أيوب لم يقل لزوجته سأضربك! بل قال سأجلدك مائة جلدة، مما يجعلنا نرجع إلى النقطة الأولى أن الجلد أسلوب عقاب وليس أسلوب توجيه. بينما الضرب يعتبر أخف منه. ولو عدنا لتعريف الضرب لوجدناه يتفق مع ما نريد الوصول إليه من هذه الفقرة، أن الضرب يراد به استجلاب مشاعر، وهو الشعور بالحزن أو الشعور بتغير الشخص وشدته وعدم قبوله التصرف، فعندما يصل الزوج به الحال ليخرج المسواك أو أي شيء خفيف يريد به ضرب زوجته دون إيذاء، تدرك الزوجة حينها أن الزوج شد عليها وتغير، مما يوقعها في حزن وهو ما يجعلها تعيد حساباتها ومحاولة تصحيح ما بدر منها.
نأتي لآخر نقطتين، الأولى وكما أسلفنا فإن الضرب ليس بشيء مستجد على العالم، وبعض الأزواج يضربن زوجاتهم – كما يوجد زوجات يضربن أزواجهن – وهذا ليس من فعل النبلاء فالرجل النبيل لا يمد يده على امرأة، ولا حتى من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
تخيل معي أخي القارئ لو أن القرآن لم يذكر الضرب أبدًا، حينها كان الرجل سيستغل الأمر وسينال من زوجته – كما كان يفعل بعض العرب للسيطرة على زوجته والتحكم بها بشكل قهري -حتى وإن لم تحضر له الشاي لأنها متعبة. بينما حين ذكرها القرآن ذكرها من باب التضييق والمنع، حيث أن الرجل لن يستطيع أن يضرب زوجته إلا في حالة واحدة فقط، وهي النشوز الذي يؤدي إلى إفساد العلاقة. لذا حين يمر الزوج بالقرآن ويقف على آياته؛ فإنه يجد نفسه مقيدًا جدًا بهذه الآية، بأن يبدر من زوجته التعالي والتكبر عليه ولا شيء سواه. سيأتي أحدهم ويقول “ولم لم يُنهى الرجال عن الضرب بتاتًا!!” وهاهنا نقع في إشكالية أخرى وهي أن بعض النساء سينشزن، ويتحول ذلك إلى ظاهرة، وتختل الأسرة وتركيبها، وقد تأتي الزوجة وتضرب زوجها من باب أنه لا توجد آية تمنع أو تحرم فعلها.
السؤال الذي يفترض أن يسأله أحدهم ردًا على الفقرة السابقة “ولم لم يمنع الضرب للطرفين”، وهو سؤال بديهي ومهم الإجابة عليه، ذلك لأن هذا يوقعنا في إشكالية، فهل سيأتي القرآن ليقول لمن جمعهما بالمودة والرحمة “ولا يضرب بعضكم بعضًا”! طبعًا من المستحيل ففي هذا خلاف لما فطرنا الله عليه وتناقضٌ كبير، وكأن أصل مسألة الزواج هو الضرب، وأصل المرأة هو النشوز، وأصل العلاقة هي الخلافات. والله عز وجل أعظم من ذكر شيء يخالف ما خلق الناس عليه وما زرعه فيهم.
ختاما، المثير للقلق أن الطرح يزداد في هذه المسألة الخلافية حول سؤال واحد وهو “لماذا رخص الله الضرب للرجل” وهو سؤال يتكرر باستمرار لأن الإجابة عليه ليست حاسمة وهي من باب الاجتهاد، ولكن كل اجتهاد يصيب المعنى من العلاقة الزوجية يقرب ويؤخذ به، ولأن المسألة عند البعض باتت وكأن كل امرأة يجب أن تنشز وتخل بالتكوين الأسري، وأن تتسبب في علاقة متوترة يدفع ثمنها الأبناء، والزوج والمجتمع الذي سيستقبل دفعات كثيرة من نساء ناشزات ورثن الطبع من أمهاتهن اللائي ارتأين أن من الخطأ ترخيص الضرب حتى وإن كان غير موجع، وإن كان حتى بالسواك، عوضًا عن أن تكون العلاقة بين الطرفين كما قال المولى عز وجل “هن لباس لكم وأنتم لباس لهن” دون نشوز، دون هجر في المضاجع أو حتى دون ضرب، فالمرأة الصالحة تحتوي زوجها، والزوج الصالح رجل نبيل، والرجل النبيل لا يمد يده على امرأة