wedding_rings

الإنسان كائن مفطور على حب الجمال وكل شيء جميل، وهذا الحب ينطبق على كل شيء، بدءً من الثياب التي يرتدي وانتهاءً بالبيت الذي يسكن، وما بينهما. ولا اختلاف أن الجمال شيء أو حالة نسبية، وإن كان بعض الباحثون يرون أن الجمال هو تطابق مواصفات الشيء أو الشخص مع النسبة الذهبية، إلا أنها كذلك ليست الحالة المثالية بالنسبة للبعض، لأن اعتبار الشيء جميلًا يعتمد على ثقافة الناظر والمتلقي ومحيطه الذي ترعرع فيه، وما قد تراه جميلًا قد يعتبره الآخر ضربًا من القباحة، وباعا من البشاعة.

الزواج والطلاق، الحب والكراهية، السلام والحرب، الرغبة والنفور، الرحمة والغلظة، كلها متناقضات منتشرة في العالم، مهما استحدث الإنسان من أنظمة، وأوجد من قوانين، فلن يستطيع التحكم بمشاعر الإنسان دائما، فهي الشيء الوحيد الغير قابل للسلطة، مشاعره تحركه للزواج، مشاعره تحركه للرحمة، مشاعره ترغمه على الكراهية، وتفرض عليه الرغبة. لذا فإن سلوك الإنسان يمكن أن يلخص في “محفز” يعقبه “فعل”، لكن المحفز دائمًا معامله سين مجهول نسبيًا.

وبما أن الإنسان يعتمد على المحفز لخلق الفعل، لذا فإن أي شيء لن يكون قبل أن يكون السبب الأول. لماذا اتحدث كثيرًا عن الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) وما دخل هذا بالعنوان؟ لا تستعجلني كي ترافقني في هذه الرحلة. تعريف الزواج هو الاقتران والازدواج، يقال زوج بالشيء أي قرنه به. والاقتران التزام بالشيء واتصال به، وكي يقترن الشيء بالشيء يجب أن يتوافق ويتلاءم معه، وهو ما يرجى له من المتزوجين أو الراغبين به. كيف يتوافق اثنان لم يلتقيا من قبل؟ حاول أن تستعيد أول لقاء بأعز صديق لك، كان لقاء خجلًا ربما أو جريئًا، كان في وسط ضجة أو ربما هادئًا في محطة باص المدرسة، هذا اللقاء الأول كان هو الفاتحة لما تم بعده من علاقة استمرت لعقود ربما أو بضع سنوات.

وكما أن كل شيء يبدأ بلقاء أول ورؤية أولى، فإن الزواج يبدأ من نظرة أولى، هذه النظرة قد تكون في الطريق، في بيت قريب أو حتى غريب، في محاضرة، في فقرة تلفازية، أو حتى في ردهة فندق، وبالحديث عن ردهات الفنادق فإن قصة زواج كليم عارضة الأزياء الشهير وزوجها سيل كانت حين رأت ما وصفته كليم بأنه أجمل رجل في العالم حين دخل ردهة الفندق، وكان زواجهما بسبب هذه النظرة، سيقول البعض “نحن لا نؤمن بالحب من أول نظرة” وأنا لا أسميه أول نظرة، بل أول عناق بين روحين لجسدين منفصلين. لذا فإن النظرة الشرعية قد تكون هي وسيلة تلاقي الأرواح، هي محطة باص مدرسة الحياة التي جمعتك بأعز صديق، هي سهم كيوبيد الذي اخترق قلبيهما.

لا زال البعض لا يستطيع قراءة أبجديات الحياة وبديهياتها، فما يتوافق معي ليس عليه بالضرورة أن يتوافق معك وذلك لأننا بطبيعة الحال مختلفون جدًا، فما تظنه مستحيلًا أؤمن بأنه عادي، وما تعتقده خطأ أراه صوابًا، لا تسخر مني لأنني أفعل ما أراه مناسبًا لي ولا تنتظر أن أصفق لك فيما أظن أن ما تفعله خطأ، ودعنا نرصف الطريق بين أفكارنا لنصل لنقطة تلاقي بين رغبتي ورأيي ورغبتك ورأيك، لذا فإن السخرية والاستهزاء بمسألة النظرة الشرعية وفشلها في جمع مشرق الأنثى بمغرب الرجل ضرب من الديكتاتورية الإجتماعية والفكرية.

الزواج رغم جماله وبهجته وأفراحه والتهاني التي تزف وتنثر على مسمع العرسان، إلا أنه أرتباط قد لا يقوى عليه طرفان يناسبان بعضهما البعض بشكل تام، فقد ينتهي بطلاق، فالزواج ليس علاقة سهلة وسلسة، بل علاقة فيها من المطبات ما قد لا يطاق ولا يحتمل، ومخطيء من ظن أن التوافق كافٍ لحفظ المؤوسسة الزوجية، لأن السبب الرئيس لاستمرار الزواج هو رغبة الطرفين في مواجهة أمواجه ورياحه في سفينتهما معا، فالربان دون مساعد سيغرق في أول موجة، لكن عامل التوافق هو عامل مساعد ومهم في الاستمرارية ولكنه ليس شرطًا لنجاح واستمرارية الزواج.

من يسخر من النظرة الشرعية حجته بأن الموضوع عرض لسلعة يقبلها المشتري أو يردها، ويحدد قبوله جمال السلعة، ويدّعي أن النظرة الجامعية أو الوظيفية هي الأرقى والأكثر ترفعًا عن السطحية التي في النظرة الشرعية، حيث أن التوافق بين طرفي المعادلة هو أساس العلاقة. وهنا نقع في الفخ الأكبر، وهو أنه حتى أقترب منك يجب أن أقبل شكلك، وحتى اتقبل شكلك، يجب أن انظر إليك، لذا فالنظرتين لا يخلوان من التقييم الشكلي قبل الفكري وهي الطبيعة البشرية، كطبق الأكل، لا يمكن أن يتناول احدهم من طبقٍ حتى يعجبه شكل محتواه. سيقول قائل: هنالك من تجذبه أفكار زميلته. لا بأس ولكن لا يعني ذلك أنه تجاوز الشكل من أول جلسة، بل أخذ وقته حتى يقبل الشكل، وهي حالات قليلة لا يقاس عليها، حالها حال من يقبل بفتاة لم يعجبه شكلها ولكن اعجبه شيء آخر في تصرفاتها أو في طريقة كلامها، لذا فإن كانت النظرة الشرعية نظرة سطحية، فالنظرة الجامعية قد تكون أكثر سطحية منها.

العيب والسخرية ليس ولا يجب أن يكون في النظرة الشرعية، بل ما يرتكب فيها من أخطاء، لذا وجب ألا تنتقد النظرة كنظرة، إنما أخطاء البشر فيها وهو ما لا يمكن التحكم به دون وعي الأطراف المعنية فيه، كأن يبحث الشخص عن الجمال ويهمل تماما مسألة التوافق (وهو يحدث في النظرتين الجامعية والوظيفية)، أن تقتصر مدة التعارف على اللقاء الأول ويتم الزواج، ألا يمنح الطرفين فرصة ووقت كافٍ لتجاذب أطراف الحديث وحدهما حتى يتسنى لهما الكلام بأريحية لتظهر شخصيتهما بشكل أوضح، التصنع والخداع والإيهام ورسم الأحلام والأوهام، وأخيرًا ألا يكون الهدف من الزواج “زوجوه يعقل” ففي نهاية المطاف الزواج ليس عملية استئصال لعقل أحمق وزرع عقل جديد لعبقري.

عطش لزخاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s