black_and_white_wallpapers_tumblr11.jpg

خلق الله الألوان، وجعل منها زوجها، ولو لا الألوان لم أزينت لنا الدنيا، وطابت لنا، ولما كنا فهمنا جمال ما وصفه القرآن من وصف عن الجنة من سندس خضر، وغيرها من وصف الألوان. الهند تحتفل سنويًا بالألوان لأنهم يرونها من النعم التي وهبها الخالق لعباده، لو أن الله أراد ان نكتفي باللونين الأبيض والأسود، لما جعل في أعيننا لاقطات للأطياف لتميز الألوان، ولما جعل للفواكه من ألوان تسحرنا وتجعلنا نفرق بينها، وندرك نضجها وفسادها من ألوانها، نميز أيضًا بين الأشياء والمقتنيات عبر ألوانها قبل أشكالها وأحجامها، ولو كان الأبيض والأسود هو شكل الحياة، لاكتفى الإنسان بأفلام شارلي شابلن، وشاشات التلفاز القديمة، ولما سرنا قوس قزح، ولما أبهرتنا الألعاب النارية.

استشهدت بصورة لأزياء كان يرتديها أهل الحجاز فيها من الزخارف والألوان ما فيها مما يبث فيها الحياة والبهجة، وقلت هذا ما كن يرتدينه نساء الحجاز، قبل أن يغتالوا الألوان بالسواد العظيم. ولكن حمل المعنى على غير مقصده، فأقول كما قال الشاعر جمال الملا: العفو إن لامني النقاد والرشدا. والعفو منك رسول الله معذرة إن حمّلوها على غير الذي قصدا.

لماذا قلت اغتيلت الألوان؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يسأل، وليس لماذا قلت هذا. يظن الناس أن الحشمة قرينة اللون الأسود أو الأبيض، وأي شيء دونهما سفور، ولو دخلت في نقاش طويل، فسينتقوا لك ألوانًا ليعترضوا بها على كلامك كونها مثيرة للفتنة وملفتة، ثم يحمل العقل الباطني الفكرة ويسقطها على بقية الألوان المسكينة، وللأسف درج هذا خلال القرن الماضي إن لم يخب ظني، وإن خاب، ففي المقال ما يكفي الاستدلال به.

رغم أنني أعلم أن النساء في عهد الإسلام كن يرتدين الألوان ويفضلن بعضها، إلا أن الكلام دون استدلال يعد ادعاء وحسب، وكل من يستشهد على ذلك العهد يستدلون بحادثة لم أرى خلال بحثي سواها، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إليّ، حدّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ابن خثيم، عن صفية بنت شيبة، عن أم سلمة، قالت: لما نزلت هذه الآية: يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها. هذا الاستدلال وإن كان ظاهره يظهر أن السواد سمة الثياب، إلا أن المستشهد يغفل عن تفسير ابن الأثير في كتاب البداية والذي ذكر فيه أنه شبهت الخمر في سوادها بالغربان، والكلام واضح صريح في بيان أن الخمر الذي وضعنه نساء الأنصار كان لونه أسودًا، وهذا لا يشترط فيه أن يكون عامًا على الناس، ففي حين كان نساء الحضر يحببن الألوان، كان نساء البدو يحببن اللون الأسود وحسب، فهي مسألة ذوقية في نهاية الأمر.

في كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري، هنالك باب أسمه الثياب الخضر، أدرج فيه حديث عن أن زوجة رفاعة طلقها زوجها وتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي وقالت السيدة عائشة أنها أتت وعليها خمار أخضر. مما يدل على أن الخمار لم يكن لونه المطلق هو الأسود، ولكن من يستشهد بحادثة ويترك ما يسمى بعلم الاجتماع في تلك الفترة ويهمل هذه الأحاديث، هو من يريد أن يحتكر الحشمة في السواد، وكذلك في ذات الكتاب باب الثياب الحمراء، واستدل فيه بحديث آخر حديث عبد الله بن عمرو وما نقله البيهقي وأخرج ابن ماجه من حديث ابن عمر ” نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن المفدم ” وهو بالفاء وتشديد الدال وهو المشبع بالعصفر فسره في الحديث ، وعن عمر أنه كان إذا رأى على الرجل ثوبا معصفرا جذبه وقال : دعوا هذا للنساء أخرجه الطبري. ويبين هذا أن النساء كن يلبسن الأحمر في ثيابهن، وعرف عن السيدة عائشة حب اللونين الأحمر والمعصفر في الثياب، وهو لون يؤخذ من نبات العصفر وهو من المحصولات المصرية القديمة، ويزرع أيضًا في الهند لاستخراج الأصباغ والزيت منه.

ذكر ابن خلدون في المقدمة أن الدثار الذي يلف الجسم كان هو الزي المفضل لدى سكان القرى، والثابت أن سكان المدن كانوا يرتدون الدثار أيضًا وكان يزين بالزخارف المنسوجة. أي أن ثيابهم لم تكن فقط تكتفي بالألوان بل حتى الزخارف. وهو ما يرفضه البعض الآن ويعده من انعدام الحشمة وجود الزخارف. وكان كذلك من ألبسة الرجال والنساء الخميصة، وهي ثوب من خز أو صوف، وقيل أنها سوداء أو حمراء في الغالب، ملونة بخطوط خضراء، حمراء أو صفراء. وسأسرد بعض الأدلة التي توضح بشكل صريح أن الألوان لا حرج فيها ولكن ممن أخذ يضيق على نساء المسلمين بأن يحتكر الدين في فهمه وحسب وما دونه فسق وفجور، وأن أي ذي لون حرام وملفت ومغري وفتنة، وهو ما بدأ يترسخ في الأذهان فبدأت الحياة تذبل والألوان تموت، وبدأنا ننحى باتجاه السواد والظلام دون أن يكون الخيار للفرد.

فقد صح أن النساء في زمن النبي وبعد زمنه كن يلبسن الثياب الملوّنة بغير السواد.

قال الشيخ الألباني: (اعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملوّنا بلون غير البياض أو السواد كما تتوهّم بعض النساء الملتزمات وذلك لأمرين:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه).

والآخر: جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة.

يقول الشيخ إبراهيم النخعي (أنه كان يدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيراهن في اللحف الحمر).

ويقول ابن أبي مليكة: (رأيت على أم سلمة درعا وملحفة مصبغتين بالعصفر).

ويروى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (أن عائشة كانت تلبس الثياب المعصفرة وهي محرمة). وفي رواية عن القاسم : (أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر وهي محرمة ).

ويروى عن هشام عن فاطمة بنت المنذر ( أن أسماء كانت تلبس المعصفر وهي محرمة ).

وعن سعيد بن جبير:(أنه رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطوف بالبيت وعليهنّ ثياب معصفرة).

ومما أسلفت من أدلة ثابتة قولًا وتاريخًا، فإن المنكر على الآخرين اختيار الألوان فهو من المضيقيين والمنفرين للناس، ومن يحتكر الحشمة في اللونين، فقد أخطأ في حق السيدة عائشة وأم سلمة، ونساء المسلمين قديمًا وحديثًا في مشارق الأرض ومغاربها، والذي عليه أن يحذر ويقرأ أكثر. فمن ينكر إما أن ينكر تعنتًا أو جهلًا. يقول المؤرخون: إن العباءة النسائية السوداء جاءت إلى المملكة العربية السعودية من سوريا والعراق منذ أكثر من 80 عامًا، أما قبل ذلك، فقد كانت السيدات في المملكة يرتدين قطعًا ملونة من القماش.

ختامًا، لست هنا أسيء لذائقة أحد، فمن يحب الأسود فليرتديه، ومن أحب الحياة والألوان فليفعل، وأعيد بيت الشاعر بصياغة أنسب: العفو إن لامني النقاد والرشدا. والعفو منك يا مقال معذرة إن حمّلوك على غير الذي قصدا. ما كتبت هذه المقالة إلا لتبيان ما خفي عن الناس من أمور كانت خافية عني طوال السنين التي انقضت حتى بدأت أقرأ وأطلع، وكذلك لكرهي للمتلونين والمنافقين، يشتهون الألوان ويبتغونها، ولكن يخشون أن يراهم من يشبههم من المجتمع كما كانوا يرون البقية سابقًا، لا بأس أن نكون على خطأ ثم نقر بعد أن نعرف الصواب بخطئنا، ولكن المشكل في أن نعيش في تناقضاتنا فلا نحيا كما يجب، ولا نرحم من نحب.

عطش لزخاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s