794be07ef694d3b31ca6a60614296221

أكثر الشعوب التي تغزلت وتغنت ونسجت القصائد في الحب هم نحن، في كل ركن أبيات تائهة، وفي كل مذياع أغنية حائرة، وتحت كل وسادة أحلام وأوهام لا تنتهي.

وجدت صورة لرجل قد حمل حقيبة زوجته حتى يتسنى لها الوقوف والاستمتاع بعرض غنائي دون عناء الحمل، ودونت تحتها “أحبيه إن كان يحمل حقيبتك عندما يثقل عليك حملها، فهو لم يأبه للعالم من أجلك. هو بالتأكيد متيم بك.” فجاءني أول تعليق “هو بالتأكيد خروف أقرن”، لم أتعجب كثيرًا من رؤية رد كهذا، فالرجل الشرقي (العربي كما يفضل البعض) كما قال غازي القصيبي يعتبر كل شيء يقلل من رجولته، فمن الطبيعي أن يعتبر أن المشاعر تقلل من رجولته، أو التعبير عن حبه يقلل من رجولته، ولهذا قد يعتبر البعض أن حمل حقيبة زوجته إن أتعبها ذلك هو تقليل من رجولته.

قبل قليل أرسل أحد الأصدقاء صورة لسيدة فقدت اصبعها الخنصر، وكانت تريد أن تضع طلاء أظافر، فعلقت أمام زوجها أنها ليست بحاجة لأن تضع الطلاء على خنصرها الأيسر. هي ببساطة نسيت أنها لا تملك ذلك الأصبع. وفي كل مرة تتذكر فيها هذا الأمر يكون بمثابة مشكلة بالنسبة لها، فأجابها زوجها، “سأكون إصبع الخنصر البديل لك دائمًا لتصبغيه بذات اللون الذي تضعينه حين تودين الخروج” وهو ما فعله زوجها. الملاحظة المرفقة مع الصورة “خروف مستوى ألف. فرددت عليه: الحب في مستواه المليار.

اصطنعنا واختلقنا مفهوم خروف أو خرفنه لتحديد حالة من الخنوع يقع فيها أحدهم من أجل طرف وبطريقة غير منطقية ولا تليق بمفهوم الحب أصلًا، فيها إهانة أو إذلال واستغلال واضح لطرف من الطرفين. ولكن هذا المصطنع أصبح مطاطيًا وغير واضح الملامح، حتى أن كل تعبير عن الحب بات عبارة عن “خرفنه” وفاعلها خروف، وأي مساعدة يقدمها الزوج لزوجته أو الخطيب لخطيبته وغيره هو نوع من أنواع الخرفنه، بالأخص حين تكون الفتاة ساحرة الجمال، أو الشاب شديد الوسامة. وهو ما يجعل البعض يخاف من التعبير عن مشاعره أمام الآخرين ويفكر في كل تصرف يصدر منه، فتجده يعامل زوجته بتسلط وكأنها خادمة، وحين يختبئ من العالم يبوح بكل مشاعره المكبوتة. وهو ما يسبب بطبيعة الحال مشاكل كبيرة بينهما.

عدم استيعابنا للحب سببه هو تعاطي المجتمع معه، حيث يُتعاطى معه كأنه جرثومة يجب أن يأخذ صاحبها مضادات حيوية ضدها، حتى لا تستفحل مشاعره ولا يزيد اهتمامه بزوجته، وأن عليه دائمًا ألا ينزل لمستوى المسلسلات التركية الكاذبة، أو سلسلة توايلايت أو حتى الأفلام الهندية، كيف لرجل أن يقول لزوجته شكرًا على الغداء، كيف له أن يحافظ عليها وهي مشوهة! وكيف يبقيها وهي لا تلد، وكيف يقول لها أحبك أكثر من ألف مرة، أو حتى مرة واحدة.

لا تناقشها ففي ذلك خنوع، سيطر عليها ولتكن كلمتك العليا فهذا هو دور الرجل، لا تشاورها ولا تستشيرها فهي أنثى وناقصة عقل ودين، لا تساعدها في مهام البيت، فأنت تزوجتها لتخدمك وهذا واجبها، لا تجعلها تختار لك ثيابك أو حتى تناقشك فيها. لا تقل لها كلمات لطيفة حتى لا تعتاد على ذلك، لا تعطف عليها حتى لا تستغل هذا العطف، لا تترك لها المجال لتسألك أين كنت وأين ستذهب أو ذهبت، هل تريد أن تتحكم بك زوجتك؟ أين هي رجولتك! لا تدعها تخرج من البيت فهذا هو مكانها، ويفضل لو أنك تركتها في المطبخ فهذا هو مكانها الحقيقي. نعم هكذا هي وصفة الرجال التي يمررونها لبعض، هكذا تكون رجلًا في منظورهم، فمفهوم الزواج عند هؤلاء هو سيطرة الزوج وتحكمه وتسلطه، ودور المرأة فيه أن تكون الأرنب الولود، والبقرة الحلوب، والسجين المسكين، والخادم الأمين، لا حقوق لها إلا ما نراه مناسبًا لمفاهيمنا الذكورية. حتى الزينة، هي فقط من يجب لها أن تتزين لك حتى تسعد وتستقر جوارحك، أما رائحة عرقك، وسروالك الذي لم تبدله إلا في عيد الأضحى الماضي، ورائحة الموت التي تخرج من فمك، كلها عليها أن تحتملها، فمن هي، هي لا شيء، هي العدم.

من يقرأ ما قلته بالأعلى قد يستهجن وكأن هذا لا يحصل، إنه يحصل بدرجة لم نعد نشعر بها، أي بتنا لا ندري أنه يحدث بعد أن كنا ندري أنه يحدث. يغيب عن نظر البعض أن الزواج مؤسسة، والزوجة شريك وليس موظف فيها. وسيرد البعض بالآية الرجال قوامون على النساء، دون أن يكملوا الآية حتى آخرها. فالقوامة ليست السيطرة والتحكم والتسلط، بل هي القيام عليها، أي الإنفاق والحفاظ عليها، والدفع عنها، وإطعامها وسترها. الخ، ونقف هنا كي لا نتشعب.

ولأن الكثيرين لم يعرفوا عن الرسول سوى لحيته وقصر ثوبه، سآخذكم في رحلة تنويرية سريعة في حياته العاطفية حتى تعرف مدى تقصيرك، هذا إن كنت من المقصرين، ولتعرف كيف تهتم بزوجتك بالشكل الذي يملئ قلبها، ويحترم كيانها، ويقدر تعبها من أجل سوداء عيونك. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتنزه مع زوجته ليلا، يضحك لنكاتها وفكاهتها، يساعدها في أعباء البيت بل ووصى بذلك. كان أيضًا يسر إذا اجتمعت بصويحباتها، ولم يخجل من أن يعلن عن حبها، يتطيب دائما، ويحتمل صدودها ولا يضربها، يواسيها عند بكائها، ويرفع اللقمة إلى فمها، يثق بها، يتفقدها في كل حين، يروي لها القصص، يكنيها بخير الكنى ولا يستخدم ألفاظًا جارحة. يحترم هواياتها ولا يقلل من شأنها، لا ينتقصها أثناء المشكلة، يمهلها حتى تتزين؛ فالمرأة لا تحب أن تظهر لزوجها في غير حسن يرضاه، هذا حال الرسول مع زوجاته، وإن فعل أحدهم ذلك قالوا عنه..

صديقي عبدالله قال جملة حسنة: “لا يوجد خرفنه في الزواج” كلامه لخص المقال، ولذا ارتأيت وضعه كختام. أعود للنقطة المهمة إن كان حب الزوجة ورحمتك، حملك لحقيبتها، إعلان حبك لها، تدليلك لها، أو وهبك لأصبعك مكان اصبعها المبتور كمكمل لزينتها خرفنه، فأظن أن الخرفان اقتربوا من أن يصبحوا بشرًا أكثر منا. هنيئًا للخرفان أن ألصقوا إليهم تهمة الحب الصادق.

رأي واحد حول “الحب والخرفـ/ـان

عطش لزخاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s