228576_10150241774165446_703787_n

كنت أستقي الشاي كعادتي عند زاوية المحل المقابل لأحد المراكز التي لم أقرأ يومًا لوحتها، فغالبًا لا تشغلني الأسماء والعناوين، فقط الأشكال والصور والنصوص الطويلة والفتاة الجميلة، من منا لم يحدق يومًا بالفتيات أثناء جلوسه في مطعم، مقهى أو حتى في مكتب، فالنساء زينة الحياة وطعمها السكري الذي لا يزول، هي أطيب للأنف من القهوة، وأطعم من الشاي للفم.

أخذت أتأمل المارة بين الحين والآخر علّ آنسة جميلة تمر فأحظى برشفة من كأس جمالها فأنتشي بالحسن وأسكر بالنظر. أنظر لهذا وأحدق بتلك، كلٌ منصرفٌ لهمه. تمر الكثير من الفتيات دون أن يعبأن بنظراتي، فهن لا يلتفتن لرجل اعتيادي، كما هو الحال معنا، فمن لا ترى أخلاقك، لن يهمها سوى شكلك، أما الرجل ففي غالب حالاته لا يرى سوى الشكل. غريب أمر الإنسان، فبينه وبين نفسه يقر ويعترف بالكثير، ولكن أمام الآخرين يمارس الفضيلة والمثالية والكمال.

نفضت أفكاري وأنا ابتسم وأكاد أقهقه، فأحاديث النفس مضحكة أحيانًا؛ تجعل الفرد يغدو كالمجنون في حضرة الناس. لا أدري من الأحمق الذي قال: الضحك من غير سبب قلة أدب. فمن هذا المعتوه الذي سيضحك دون سبب، نحن نضحك على حماقاتنا، على أفكارنا المجنونة، على خاطرة طريفة مرت بنا، لا أحد يضحك دون سبب، هو يضحك ولكننا فقط لا نعرف السبب، وقد لا يضحكنا حتى ذلك السبب.

وبينما لازلت أزاول رقصي مع الشاي، أحاور نفسي تارة، وتحاور أعيني الجميلات تارة أخرى، توقفت سيدة مسنة وغمزت لي، ولهول صدمتي كدت أختنق بالرشفة التي في فمي، فبصقتها في صحيفة الرجل الذي جلس بمقربة مني دون قصد، فإذا بها تضحك وتكشف وتخفي فمها بيدها عن خجل، أخرجت الملعقة بسرعة من بين رمال السكر، أنظر في قعرها لانعكاسي، لا أذكرني تجاوزت الثلاثين فما بها فتاة الستين تعاكسني؟

غمست الملعقة مرة أخرى في تلك الرمال الحلوة، ورفعت رأسي لأنظر إليها عاقداً حاجبي الأيمن بأخيه الأيسر متعجباً؛ فإذا بها تلوح بيدها، شعرت ببعض الشفقة ناحيتها، فارتأيت أن أكون لطيفًا ولبقًا، فابتسامة تدخل الفرح في قلبها قد يعيد لها الحياة ويحيي الطفلة التي بداخلها، فالمرأة وإن هرمت لا تتغير أحيانًا، فكلهن يرغبن في أن يمتدح لبسهن، جمالهن، وعناقيد الذهب المتدلية من أعناقهن، فكل تلك الاثمان الباهظة التي تكبدوها ليظهروا بهذا الشكل تستحق بعض اللطف والشفقة أحيانا، رفعت يدي وما أن لوحت حتى مرت عصاً تحمل كهلاً عن يميني، نعم هكذا حقًا مر بقربي وهو المعني بكل تلك الابتسامات والتلويحات ولم أكن المعني، وتلك الشفقة أنا حري بنيلها.

للأسف استدعت يدي انتباه الجميع، بدوت بيدي الملوحة كالمغفل، وبوجهي الذي أصابه الخجل كالمهرج، لحسن الحظ كل من في المكان انتبه إلا صاحب جريدة الشاي، والذي أوشك أن يصل للصفحة الأخيرة ويكتشف أمري؛ فقلت بصوت عالٍ ملما ما بقي من ماء وجهي: الحساب أيها النادل. وانصرفت دون أن أكمل رقصي مع ذلك الشاي.

رأيان حول “رقصي مع الشاي

  1. رقصت وأنا أتابع الأحداث، طريفة جداً، وتصاويرك ممتعة جداً، والأطياف في هذه الكون تأسرنا رجلاً رجلاً، من ذلك المتداعي والمتراقص كبخار فوق كأس الشاي إلى أشياء أخرى، لكنها متاهة، صدقني.

    1. شكرا لك عزيزي على هذه الرقصة الأنيقة
      ممتن لمرورك بالمدونة واستمتاعك بالنص
      صدقت، كلنا نعشق ذلك البخار.

عطش لزخاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s