مرغمين ومستعدين أن نسامح الموتى، أن نزيل أحقادنا وضغائننا ضدهم، أن نتهافت على صورنا التي التقطناها معهم، أن نهرع إلى قطع ثيابهم، نفتش عن أي قطع لذاكرة في رائحتهم، لكن أولئك الذين يقتلهم فراق بيننا بسبب خصوماتنا، لا يهموننا إن كانوا يتنفسون، نحن ننتظر خبر الموت حتى نفتح صفحة جديدة معهم، نحن لا ننتظر الموت، نحن نظن أن الموت أبعد ممن خاصمناهم، أن الموت لا يأتي لمن نحب، أو أن الموت خدعة بصرية لن تصدقها أجساد من هم حولنا.
لو كنا نتذكر أن الموت يتربص بنا في كل زاوية وكل ركن وكل ممر واسع أو ضيق. لو كنا نتذكر أنه يتربص بنا في أرضية زلقة، خلف إشارة حمراء، عند منعطف، أو حتى على ظهر قشرة موز؛ لما استمرت خصوماتنا، وما انكفأنا دهرًا نشكو أحزاننا، ولا تواصلت كراهيتنا، أو حتى تربصت بالناس أحقادنا. مصابنا أن البعض لا يتذكر الحب إلا بعد الموت، ولا يتعلم التسامح إلا مع أصحاب القبور، ولا ينسى مصائبه إلا عندما تحل المصيبة الأعظم، ولا يتذكر تقصيره واهماله ومشاعره إلا بعد أن يتخطف الموت الناس من حوله.
لا يوجد شخص في العالم لا يحمل على عاتقه اشكالية التسويف، أو يحمل على أقل تقدير حقيبتها، فالإنسان كائن يحب المرح وما يدعو للبهجة والراحة، ترغمه الظروف على أن يعمل بجد لساعات طويلة، لأن عليه ذلك، لكن لو وهب الخيار، فإن الأغلبية ستركن للمرح والراحة. ولا بأس في ذلك، فهذه طبيعة بشرية.
كم مرة صدف أن نهضت من جهازك لأنك اشتقت للحديث مع أمك، لاحتضان زوجك، للعب مع أخيك، لزيارة جدك أو جدتك. قليل جدًا. وربما تكون من أولئك الذين لا يمكنهم حتى أن يعبأو بتلك الفكرة، أو يراودهم ذلك الشعور. بالمقابل، كم دفعت لتقف في حفلة فنانك المفضل، وكم طريقا سلكت لتستمع لشيخك الذي يرتاح فؤادك لأحاديثه، بل وكم وقفت طويلًا لتصور “سيلفي” مع لاعب كرة القدم المشهور، أو ذلك المؤلف العظيم، أو تلك الممثلة البارعة. بينما هاتفك قد لا يحمل أي صورة لك مع شقيقتك، والدك أو صديقك، وإن حمل، فاهتمامك بها ليس بالقدر الذي يقارن باهتمامك بتلك الصورة الملتقطة مع فنان، سينساك مع أول فلاش لكاميرة معجب أتى بعدك.
مشكلة الإنسان أنه يظن أن كل شيء سيبقى على حاله، لأن دلائل الأيام التي انقضت تبوح بذلك، فهي تقول له، أمك هنا، أختك في غرفتها، زوجك بقربك، لن يضيع أحد، ولن تضل الطريق إليه، لذلك لا بأس إن بقيت غاضبًا على أخيك، متخاصمًا مع زوجتك، مقاطع لوالديك، مفارقُ لأصدقائك، تظن أن الغد سيأتيك مرغمًا زاحفًا يرجوك، ونسيت كم ممن لم ينجو من الموتة الصغرى. تجد نفسك مستيقظًا تحمل حزنك، قطيعتك، مشاعرك السلبية، همومك، متجاهلًا أهم أمر، أنك تجيب رسول الصباح الذي يهمس في أذنيك، يدعوك لدين يومٍ جديد.
مشاعرنا مؤجلة، فنحن نؤجل العفو، نؤخر الفرح، ندفع الحب ونبعد التسامح عن قلوبنا، ونحيا بهموم وأحزان الماضي. يفتح لنا الصباح صفحة جديدة، فنعاود نسخ الأمس على تلك الصفحة، ونسينا أهم فكرة، أهم خاطرة، أهم سؤال، ماذا لو لم يأتِ الغد، ماذا لو كان اليوم آخر ورقة في رزنامتنا؟ عش مع من حولك وكأنك تموت غدًا، وعش بمشاعرك وكأنك تعيش أبدا. صارح من حولك، لا تؤجل شيئًا؛ فأنت لا تدري، هل ما ستتركه من حب وعطف وود ولطف في قلوب الآخرين، سيكفيهم ما داموا أحياءً، أم أن ما تركته في قلبك هو ما ستتحسر عليه إلى أن ترحل.
دامئا ما نقول أن الشيء لا يعرف الا بنقيضه فالسعادة ما هي الا لحظات زوال الحزن .. وكذا لن تطعم الحياة حتى تستحضر الموت !!
لا أقوى من صفعة الموت
موت الآخرين أعني.
لذلك المشاعر مؤجلة*
رائعة ياريت الناس تفهم كدة 😔
شكرا لك، نتمنى ذلك ^_^
ممتن للمرو هنا