العلاقات الإجتماعية من أشد الأمور تعقيدًا وتركيبا، فصعب المحافظة على العلاقات دون الكثير من الصيانة والمعالجة والمناقشة والمصارحة، أي علاقة لا تقوم على أسس متينة تنهار، وأي علاقة تبنى على مصلحة تتفكك، وأي شخص يظن أن العلاقة الإجتماعية هي علاقة تواجد ومعرفة، خاب مسعاه في تكوين تواطد وقرب أبدي، فليس كل من تعرفه قريب، وليس كل من تجهله سيبقى بعيدًا للأبد.
لا يمكن لك أن تترك علاقتك تقلبها رياح الظنون، أو تلاطمها أمواج سوء الفهم وضعف التواصل والإتصال، بل لا يحق لك ذلك. أي علاقة بحاجة لجهد، وتنازلات، وأحيانا تضحيات مستمرة للحفاظ عليها، كما أن الصراحة والعتاب دون مبالغة لهما مردود جميل، فهو يبدد أي سوء ظن أو فهم، ولكن ولأن كل هذا يحتاج لمجهود نفسي وذهني وبدني وأحيانا مادي؛ فإن البشر غالبًا ما يخفقون في علاقاتهم ويخسرون صداقاتهم بل وربما أقربائهم.
إن أول مدمر أو مانع للعلاقات الدائمة والمتينة هو الإنطباع الأول، فهو الخطوة الأولى في بنائها، وبوابة الدخول أو الخروج، فخلال أول خمس ثوانٍ يقيم كلا طرفي المعادلة الآخر بشكل مختلف ولكن تحت ذات الإطار “مدى ودية الشخص” و “مدى إمكانية الوثوق به”، وهو أهم عنصرين في معادلة الانطباع الأول. والطريف هو أننا دائمًا نقول ونردد ونثرثر عن عدم اهتمامنا بالمظهر، إلا أننا نعتمد وبنسبة تفوق 80% على مظهر الطرف الآخر وشكله في تحديد الانطباع الأول، يلي ذلك طريقة كلامه، ثم لغة جسده.
وعلى الرغم من تأثير الانطباع الأول الكبير في بناء ونشأة العلاقات، إلا أن هنالك مدمر أكبر للعلاقات وهو أحد أسباب العداوات الاجتماعية غير الناشئة #الانطباع_صفر، بالنسبة لي أرى أن الانطباع صفر هو انطباع منسوخ شبه مؤقت يأتي من خلال كلام الناس وحديثهم حول شخص ما، إما عبر الحوارات العابرة، أو حتى عبر التحذير المباشر، فتجد مجموعة من الأفراد يتحدثون عن أحدٍ بالإسم بأنه لص، أو كاذب أو خلوق، وعلى أثر ذلك يبدأ الإنسان ببناء تركيبة معرفية مبدئية للشخص، تجعله في حال التقى الشخص المعني يبحث في كل تصرفاته عما يؤكد ما قيل عنه غالبًا أكثر من محاولته نفي كل تلك الصفات التي اتهم بها هذا الشخص.
الانطباع صفر قد يلغيه الانطباع الأول، ولكن ليس بشكل تام، ستبقى تلك الصفات التي حددت من قبل الآخرين قيد البحث لفترة طويلة بشكل يعيق العلاقات ويمنع استمرارها أو حتى يبقي على فواصل وحدود وهمية تمنع توطيدها، قد يعاني البعض في التخلص من الانطباع صفر كون البعض يبني على أساسه الانطباع الأول، متجاهلًا كل ملامح الشخصية من المظهر، وطريقة الكلام، وحتى لغة جسد لن تكون فاعلة.
كم مرة سمعت أو اصغيت لحديث عن أحدهم، نعت بصفات محددة وحين التقيته لم تجد أيًا منها، وكم كابدت لتنفض عن رأسك تلك الاتهامات التي قيلت عنه. كم مرة تحدثت عن رأيك السلبي بشخص ثم وجدت علاقته توطدت مع من أخبرتهم برأيك عنه، كم مرة وجدت نفسك رهين اتهامات قبل أن تكون علاقتك مع أشخاص جدد، وبعد سنوات أو حتى شهور أطلعوك عليه مما جعلك في صدمة نفسية، ولربما جعلك تضحك. حدث كثيرًا… كلنا نقع في ذات الشَرَكْ، ولا نجد فكاكا منه.
كلنا نتغير، أنا وأنت ومن حولنا، ليس بالضرور أن الآخر هو من تغير، ربما لم نفهمه جيدًا وحسب، وربما لم يوضع في ذات الموقف ونفس التفاصيل التي تجعل منه شخصًا أنانيًا أو فظًا، أو حتى ترغمه على الكذب. لا يمكن لنا أن نحصر احتمالات تصرف شخصٍ ما حسب ما نراه نحن، الإنسان مخلوق عاطفي، وأحيانا كثيرة مزاجي، لهذا لن تجد قانونًا واحدًا يحدد رد فعله مع كل المواقف لذلك ولاستمرارية العلاقات والتأكد من ثباتها؛ عليك بالاستفسار والسؤال والعتاب والكثير الكثير منا العناية. حتى لو تغير الشخص وأصبح محبوبًا، إن لم يكن تعنيك صداقته؛ فلا تحرم الآخرين منها، وتذكر دائمًا أنك لن تعرف أحدهم حتى تعاشره، فاترك عنك الانطباع الأول، ولا تصغي للانطباع صفر.