في طريق عودته من العمل كان يعبث بهاتفه، وفجأة سمع صوت ارتطام قوي، فإذا بسيارة قد ارتطمت بحائط إسمنتي ومن ثم بعمود إنارة على طرف الطريق، أوقف سيارته على مسافة قريبة من الحادث يتفقده، خرج وحين اقترب وجد الرجل ممدًا فيما بقي من السيارة والدماء تسيل وهو يلفظ أنفاسه، بينما بترت ساق مرافقه الذي انحشرت ساقه بين قطع السيارة الممزقة، أخرج هاتفه محاولًا أن يصور الحادثة، ولسوء حظه، لم يكن في هاتفه بطارية ليتسنى له أن يلتقط أي شيء من هذا المشهد، هرع إلى سيارته ليقوم بشحن الهاتف بسرعة، ولكن حين حظي بقليل من الكهرباء فيه، وصلت الشرطة وبدأت في إبعاد المتجمهرين عن المكان ومنعت الناس من التصوير. خسر فرصته في توثيق هذا الحدث المهم، أخذ يفكر في عدد الذين كان ليعجبهم هذا المشهد، وكيف أنه كان ليصبح ذائع الصيت.
وصل إلى البيت لا يلوي على شيء سوى التسكع في أرجاء قائمة أصدقاءه في مواقع التواصل الاجتماعي، احضر قهوته وجلس على كرسي مكتبه المنزلي يكبكب الصفحات على جهازه، وأخذ يقلب الكثير من الاوسام في موقع تويتر، جال به حتى تعثر بصره بوسم #خادمة_تقتل_رضيعة، قلب التغريدات بحثًا عن صورة للخادمة، وبعد أن وجدها وتأمل ملامحها ودون انطباعاته عنها، عاد ليبحث عن شيء أكثر أهمية من هذا. أخذ يقلب صفحة الوسم باهتمام بالغ، وحين وصل لذيل تويتر، أدرك أنه لن يجد ما يبحث عنه هنا. أخذ العنوان وألقاه في محرك البحث، قفز بكلتا عينيه في وسط كل تلك النتائج التي برزت له، وبعد بحث مضنٍ، عادت عيناه بخفي حنين. لم يجد الصورة المرجوة.
شرب القهوة بحنق بالغ، عاد إلى الفيسبوك بحثًا عن شيء يملأ الفراغ الذي تلبسه، شاهد الكثير من المقاطع المضحكة، وصور زواجات أصدقاءه وصديقاته في الموقع التي ملأت صفحته، وكلما شاهد أحدهم قد غير حالته من أعزب إلى متزوج عكف يشتم مارك على عدم وضعه لزر عدم الإعجاب في الساحة حتى يمارس غضبه على كل هؤلاء الذين يشاركون كل حالاتهم المزعجة وتفاصيل حياتهم المزيفة من وجهة نظره.
نظر إلى الساعة، كانت تشير إلى الخامسة عصرًا، قرر أن يغلق جهازه ويأخذ غفوة قصيرة، ولكن ما أن حرك مؤشر الفأرة نحو زر الإغلاق حتى جاءته رسالة تحمل وصلة من صديقه، فتح الرسالة، ودون تردد ضغط على الوصلة، استغرق تحميل محتواها بعض الوقت، كان المشهد لفتاة في الخامسة عشر من عمرها، تسرد رغبتها بالانتحار وأسباب ذلك في رسالة مطولة تذكر ما تعرضت له من تحرش جنسي من زوج أمها عدى عن إهمال أمها المستمر لها من بعد انفصالها عن والدها. لم يكن واضحا للمشاهدين موقع الفتاة. كانت قد قررت أن تنهي حياتها بشنق نفسها. قضت العشرين دقيقة الأولى تعد المكان وتهيئ المشاهدين لعملية انتحارها. بين البكاء والاعتذار والتبرير قضت الدقائق الأولى من تعليق نفسها في حبل ربطته بما يبدو شجرة في ساحة ما. عدد المشاهدات فاق الثلاث ملايين للحدث، وعدد التعليقات ناهز الخمسين ألفًا. كلمات التوسل أرسلت تباعا، الانتقادات والإساءات انهالت كفاف ذلك.
أدار المتابعين جلسات مناظرات على حساب روح الفتاة التي قد تفارق في أي لحظة، كان الحدث مهما ليستدعي اهتمامه واهتمام الثلاثة ملايين متابع، والملايين المحتملين. ذهب مسرعًا ليحضر بعض المكسرات من المطبخ، وعاد ومدد ساقيه فوق الطاولة وارخى جسده وهو يتفحص جسد الصغيرة متحسرا على ضياعه هباءً إن كان ما ستفعله حقيقة، متابعا بصمت بين الفضول والتأمل والترقب. بينه وبين نفسه يريد أن يراها تموت ببطء، أن يشهد هذا الحدث المهم، ألا يفوت الفرصة كما حدث سابقًا. حتى هاتفه الذي يرن كان يجيبه برفض المكالمة أحيانًا أو اطلاع المتصل على الحدث المهم أحيانا أخرى، بحسب المتصل.
شدت الفتاة الحبل حول عنقها وقد انهارت قواها من فرط البكاء، أغمضت عينيها بقوة، ودفعت الكرسي إلى الخلف وسقط جسدها نحو الأسفل معلقًا بالحبل. بدأ جسدها يتلوى من الحدث، يتشبث بالحياة التي باعتها صاحبته، يقاوم الموت بكل ما لديه من قوة، وقدميها تبحثان عن موضعهما دون جدوى، وبينما هي تنازع قدريها، انقطع البث فجأة. اعتدل هو في جلسته، وضغط زر إعادة تحديث الصفحة عدة مرات، ظهرت رسالة في وسط شاشة البث: تم إنهاء الفيديو المباشر، سيتاح للمشاهدة في وقت لاحق. دخل إلى ملف الفتاة الشخصي، أخذ ينقب فيه، يبحث عن تكملة للاحتضار وتتمة للموت، لم يكن يجب على البث أن ينقطع قبل أن يحضر الموت بثوبه الأسود، بل كان حقا من حقوق المشاهدين أن يتأملوا ذلك الجسد النافق المعلق بالحبل وهو يتأرجح ذهابا ومجيئًا، أن يشبعوا فضولهم وعدم مبالاتهم وأنانيتهم.
أغلق الصفحة بغضب شديد، ما هذا اليوم السيء، لم يستطع أن يحظى بمشهد كامل لأي موت مر به، تذكر الحادث بحسرة، والخادمة بغضب، والفتاة الصغيرة باستياء جم، شعر أن السبب هو انقطاع الإنترنت أو بطء الشبكة هو ما تسبب بتوقف الفيديو عند اللحظة الحاسمة والأهم في هذا المشهد. تمنى لو أنه استطاع أن يلتقط ولو ميتة واحدة في هذا اليوم، تناول المكسرات بغضب وهو يحدق بشاشة الجهاز. أخذ يركل ويضرب بعشوائية فجأة وهو يمسك بكلتا يديه عنقه، وبعد محاولات مستميتة للسيطرة على الوضع، فشل وتوقف عن الحركة بتاتًا.
وصل إلى العمل، امسك صحيفة اليوم، وكعادته قام بفتح صفحة الحوادث، تم نشر خبر تحت عنوان “وفاة شاب في مقتبل العمر مختنقًا بالمكسرات” دون العنوان في محرك البحث، لأن المقال لم يكن يحمل صورة.
الانترنت وما ادراك ما الانترنت
جرد الكثيرين من الثياب المنمقة التي يرتدونها امام الناس
وكسى الكثير من العراة
وصفت وأجدت الوصف أيها الجميل ^_^ ممتن لك.
شكرا لأنك هنا