الإنسان كائن مخلوق من طين وماء، الماء يمثل 3 أرباعه والأمل يمثل كل أرباعه، بلا أمل الإنسان يفكك لمركبه الأساسي ماء وطين، طري لا يمكنه صنع شيء، ولا يسعه الوصول إلى شيء. الأمل يشعره أن ما يبحث عنه ممكن، وما يحيا لأجله ليس مستحيلًا، وأن الغد يجب وسيكون أفضل من اليوم مهما طال الغد الذي في مرامه. أن تموت من أجل أمل مزيف خير من أن تحيا متلحفًا بالذهب.
قد يظن ظانًا بظن ليس في محله، أن مرادي هو الحديث عن الامل، ومرامي ليس في نطاق حدسه بالطبع، لكن لا علينا فهو هنا كذلك يبحث عن قيد للأمل، لكنني أريد الحديث عن التغيير. عندما تسأل الناس عن التغيير، فالكل سيصفق ويهلل، الكل يريد أن يغير وضعه وحاله ومستقبله، ولو أشرت لهم لما عليهم أن يصنعوه ليصلوا لمبتغاهم، لتولوا وهم معرضون. فالإنسان في نهاية المطاف أسير العادة ورهين الكسل، على الرغم من أن بنية الجسد كلها تشير إلى كونه كائن خلق للحركة، كل المفاصل والعضلات والأربطة والشرايين تقول: أنا متحرك. ولكن الراحة أحد المشاعر المهمة التي تسير حياته وتوجه كثيرا من أفكاره وتصرفاته.
السؤال في هذا المقام كالتالي: هل التغيير مستحيل! بالطبع ليس مستحيلًا، فلست أؤمن بهذا المصطلح في نطاق المعقولات لا الخزعبلات؛ لكنه أصعب مما يبدو عليه. البعض يجعله سهلا وبحاجة لورشة عمل واحدة ستقوم بضخ كل الطاقة التي يحتاجها الإنسان طوال عمره، او يخلق محتوى إيجابي ثم يخلف ساقا فوق الاخرى ويحتسي كوبًا من الشاي وينتظر أن يصبح العالم من فوره خلاقا ومبدعا وأفلاطونيا. وكذلك الحال مع فيديوهات التحفيز.
فيديوهات التحفيز بالنسبة لي خدعة ذهنية مؤقتة ومادة مسلية جدا، تعجبنا وتبهرنا وتشعل فتيل الحماس فينا، ولكنها لا تحرك أطرافنا المكبلة إلا لالتقاط أنفاسنا لهنيهة، وسرعان ما تتلاشى، كوخزة إبرة، كقوس قزح عابر، أو حتى كأول سيل من مياه الدش البارد. أغلب أصحاب التحفيز، لا يجيدون عملًا سوى التحفيز، هم أنفسهم سيفشلون في دائرة أخرى عدى دائرة الامان التي هم فيها. التحفيز يصلح لمبارة، لمعركة، لتجديف سفينة، لكنه لا يصلح لعمل مستمر. حاله حال خطبة الجمعة، يعود المصلين إلى بيوتهم ظانين أنهم سيعودون رسلا، وما أن يخلع نعليه عند الوادي المكدس، ويذهب إلى فرعونه، حتى يعود إلى ما خرج عليه. كمثال تقريبي للقضية، كانت الخطبة على سبيل الاعتباط وليس الإشتراط عن أثر الكلمة الطيبة، وآداب التعامل بين الزوجين، وما أن يعود لزوجته ويحدثها بكلمتين لطيفتين، فتقابله بمزاج متعكر، حتى ينقلب على عقبيه، يسب الدنيا وزوجته.
التعويل على كل هذا للتغير لا جدوى منه، لن أعتبره مضيعة للوقت، على العكس، نحن نعشق هذا النوع من المواد، لأنه يحرك قلوبنا قليلًا، يشعل الأمل الخامد فيها، دونه قد لا نستطيع أن نحيا، فهو وقود البقاء الأقوى. الأمل في أن التغيير سيحدث غدا، سأضعف، سأنجح، سأطير بجناحين. الأمل يلهب الخيال، ويحيي الموتى ويحقن الشجاعة، الأمل يخيط طائرة، ويمزق الحزن ويصنع معجزة. لهذا وجب وجود هذه الماد. لكن الاعتقاد الإيماني بأنها قد تحول البشرية إلى نسخ نيوتنية أو آينشتانية أو ستيف جوبزية هو ما لا أؤيده. لا فرد من هؤلاء استمع لمحاضرة تحفيزية أو خطبة عاطفية؛ بل على العكس، تحدوا العالم الرافض لأطروحاتهم، والمستغرب من تجاوزاتهم الفكرية، حتى وصلوا لمبتغاهم.
النجاح والصدفة قرينان نادرًا ما ينفصلان، ولهذا ضع في حسبانك أن الصدف لها دور كبير في تحويلك من شيء إلى شيء آخر، فالكل يغني ولم يصبح مشهورًا إلا قلة محظوظة، الكل يدون كتبًا عظيمة لا يعلم عنها أحدٌ شيئًا، والكثير ممن يعمل بجد لم يحقق شيئًا، لذا حين تجتمع الصدفة والموهبة أو الصدفة والعمل الجاد، يحظى الإنسان على نجاح، بعيدًا عن فكرة كون الصدفة يمكن خلقها، فهذا أمر آخر.
لست هنا أدعوك لان تنام وتفقد الأمل وترمي بكل شيء خلفك. وكل ما أريد أن أخبرك به هو هذا السر العظيم: لا تكتئب إن لم تصبح صالحا بعد صلاة الجمعة، ولم تصبح نحيفًا بعد أن شاهدت الكثير من الفيديوهات لمن خسروا أوزانهم بعزيمة وإصرار، ولا تبتئس لأنك لم تصبح كبيل غيتس بعد أن قرأت سيرته الذاتية، لا تغضب إن لم تحصل على منصب في مكان عملك رغم أنك الأكثر كفاءة، ولا تحزن إن لم تتغير شبرا واحدًا بعد أن شاهدت كل مواسم برنامج خواطر، فأنت بكل بساطة لست جاهزًا للتغيير، وليست هذه المواد وحدها التي ستحرك عقلك وتغير طريقة تعاطيك مع ما حولك، أنت بحاجة لصفعة فكرية حقيقية تصنع منك إنسانًا آخر، وليس دغدغة عاطفية أدبية، تتلاشى وتنساها كما ستنسى هذا المقال.
’’ لست هنا أدعوك لان تنام وتفقد الأمل وترمي بكل شيء خلفك. وكل ما أريد أن أخبرك به هو هذا السر العظيم: لا تكتئب إن لم تصبح صالحا بعد صلاة الجمعة، ولم تصبح نحيفًا بعد أن شاهدت الكثير من الفيديوهات لمن خسروا أوزانهم بعزيمة وإصرار، ولا تبتئس لأنك لم تصبح كبيل غيتس بعد أن قرأت سيرته الذاتية، لا تغضب إن لم تحصل على منصب في مكان عملك رغم أنك الأكثر كفاءة، ولا تحزن إن لم تتغير شبرا واحدًا بعد أن شاهدت كل مواسم برنامج خواطر، فأنت بكل بساطة لست جاهزًا للتغيير، وليست هذه المواد وحدها التي ستحرك عقلك وتغير طريقة تعاطيك مع ما حولك، أنت بحاجة لصفعة فكرية حقيقية تصنع منك إنسانًا آخر، وليس دغدغة عاطفية أدبية، تتلاشى وتنساها كما ستنسى هذا المقال. ‘‘
سر عظيم يا أحمد يفتقد الكثير معرفته !
شكرا لك أيها الجميل على هذا الحضور الأنيق. ممتن لك بشدة
الرابط بين الصفعة الفكرية والدغدغة الأدبية
(اليد)
نحن بحاجة إلى كفّ بخمسة أصابع بعد أن تنتهي من التصفيق
لتبدأ بالعمل من تفاصيله الصغيرة حتى تتراكم كانجاز مع مرور الوقت
وليس بالضوروة أن يكون “ستيف جوبزيا”.
يعطيك العافية استاذ احمد.
ههههه ليس بالضرورة أبدًا
اتفق معك، هنالك مقال آخر لتكتمل الفكرة
فطرح المشكلة دون حل ليست من سمات الكاتب. المقال القادم
ربما سيكون إدارة خدعة التحفيز
أو التحفيز كخدعة. أيهما أوجب سيكون العنوان القادم.