.

DSC_4287

مقدمة: علماء النفس يؤمنون أن البشر يجتمعون في صفات، ويختلفون في صفات أخرى، تلك الصفات التي تحددها ظروفهم، ولأن ظروف الجميع ليست ولن تكون متشابهة؛ قد لا تجد أن هذا المقال يتحدث عنك، أو حتى يتحدث حتى عني. إن كنت هنا أو لم تكن، لا بأس بأن تؤمن بأن هذا النص قد يعود عليك بالفائدة.

الزواج بداية مشوار جديد، وشراكة بين طرفين جمعتهما الصدفة والقدر، وقواسم مشتركة وعادات وتقاليد، وحالات قسرية وعرفية وطرق أخرى غير شرعية. يتعارف الطرفان ويتفقان. بين فترة وجيزة، وسنوات عديدة. نظن أن طول المدة سيبني معرفة كافية وكفيلة بأن تقرر وتؤكد مستقبل السعادة الزوجية كثيرًا، ولكن احتمال قابلية حدوث ذلك صعبة وقد تضمنها في حالة واحدة فقط “في حال ضمنت أن طرفي القضية غير قابلين للتغير” وهذا مستحيلٌ استحالة الحلم العربي.

العقل يعمل بشكل يضمن استقرار هذا الكائن، لذلك دائما ما يحاول استعادة اللحظات السعيدة والجميلة، بينما يسعى جاهدا لدفن التجارب والمواقف السيئة التي مر بها الشخص، ليحافظ على تدفق الهرمونات التي تبعث على راحة الجسد وتقلل من الدخول في حالات حزن أو أسي أو حتى حسرة، وذلك لضمان قدرتنا على تجاوز الأزمات والمصائب التي تحل بنا. ومن لا يملك هذه القدرة الرائعة، غالبا ما يكون أسير الاكتئاب وهو ما يقود بعض هؤلاء البؤساء للانتحار.

بعد الرؤية الشرعية أو النظرة الجامعية – يمكنك الرجوع لهذا المقال في المدونة – نبدأ في التعارف ومحاولة إيجاد الحلقات المتشابهة التي تجعل من الممكن لمن اعجبنا به وارتحنا لملامحه أن نرتبط معه بذلك العَقد الأبدي بظننا. في الفترة الأولى نرى تلك التي لمحناها أجمل فتاة، وذلك الذي زارنا أوسم رجل. نبدأ في جلسة واحدة نتخيل أن سنواتنا ستكون زاخرة بالفرح مفتقرة للحزن والكآبة، لا يأتي على خاطرنا أي فكرة سوداء، ولا يزورنا هم ولا تراودنا الخلافات عن نفسها البتة، كل شيء يبدو كمشهد في قصة سندريلا.

نُظهر في شهورنا الأولى كل الخير الذي بداخلنا. لا تكاد تفارقنا ثياب الملائكة، وشياطيننا لا تعرف مكانا في تصرفاتنا. نرسم الأحلام والأوهام وقصص الأطفال والعائلة المثالية. نظن بأننا ما أن نلج إلى قلعتنا فإننا سنولد من جديد بلا خطيئة. المدمن سيستقيم، والعاهرة ستمسي مخلصة، والمجنون سيصبح عاقلا؛ وكأن الزواج بعث جديد.

وقبل أن ننصدم بواقع كوننا مجرد بشر تطاردنا خطايانا التي نحاربها حتى ننتصر أو تنتصر هي؛ نقع في فخ آخر ما أن تدق نواقيس الزواج. فخ المقارنة؛ وكأن ميلاد العيون كان في تلك الليلة. يرى الشاب أن خياراته المحدودة قبل الزواج باتت أكبر من أن يحتمل بصره أو تتسع له خاناته الأربع. يرى صديقات عروسه، وبنات عماته، يتذكر حبيباته السابقات وبنات جيرانه، وكل الفتيات الذين في العالم يمرون على بصره كشريط الموت. المشهد أوسع من أن يحصره، يمسح من وجهه الذي تصبب عرقا كل تلك الفرص التي لم تطرح على طاولته قبلا، ثم يزيد الطين بلة أن يسمع همس بعض النسوة “هو أحلى منها” يعود محاولا التبسم في وجه عروسه التي بات يراها أبشع مما هي عليه.

بينما تأتي هذه الحالة متأخرة عندها هي، فهي ستراه أجمل البشر، لكن حين تبدأ لحظات الخلاف المتكرر ومحاولات التأقلم في المرحلة الأولى، تبدأ في البحث بين الأسماء والأشكال التي تعرفها عن ألطفها، وإن لم تجد فستبحث عن وجه أبيها وما يشبهه، وتبدأ في طلبات الطلاق المتكررة، فهي ترى في الطلاق حل لكل مشاكلها ووسيلة ضغط مستمرة وورقتها الرابحة الوحيدة، وحين تفشل تتمنى أنها لم تتزوج.

يعود كل طرف إلى صومعته، يتذكر كيف كان سعيدا قبل الزواج، وكيف كانت حياته أسهل وأقل مشاكلا من اليوم. يبدأ في تذكر أسماء زميلاته فاطمة، نورة وياسمين. يثرثر مع نفسه “لو أمكنني فقط أن ارجع بالزمن لأتزوج بخولة” هذا في أفضل الاحتمالات وفي أسوأها يتمنى لو ماتت وعاش حياته أرملا. حياة بسيطة بلا تعقيدات الزواج، يتأخر مع أصدقاءه، يسهر، يسافر، ويعود للبيت دون وجع رأس أو مسائلات أين كنت وأين ذهب ومتى تعود.

صورة الأعزب السعيد تتعاظم في ذهن كل منهما، النوم حتى وقت المغيب، الحرية، وكل لحظات السرور والفرح التي يشتاق لها. لكن بطبيعة الحال ولإنه إنسان، ينسى كل تلك الأيام التي جلس فيها عند البحر، يبحث عمن يصغي إليه، من يسير بمعيته، من يمسك بيده، من يساعده ويشاوره ويدللـه، من يخرج من أنقاضه تلك المشاعر المدفونة والمكبوتة فيه. ينسى كل تلك اللحظات ببساطة لأن العقل البشري يستعيد اللحظات السعيدة بسهولة، ويحتفظ بها لفترات أطول، بنفس الوقت فإنه ينظر لكل اللحظات التعيسة والخلافات المتكررة التي مرا بها؛ ظالما نفسه وزواجه الذي قد يكون ناجحا ولكنه بحاجة للرعاية والاهتمام والمصارحة وأهم من كل هذا القبول.

قد لا يكون زوجك قبيحا أو سيئا، وقد لا تكون زوجتك بشعة، كل ما في الأمر أنك تتوق لحرية الخيارات، وما هو إلا وهم سيوقعك في فخ تأجيل الزواج حتى تموت دون أن تحظى على الشخص المناسب الذي طالما حلمت به، وقد تبحث أو تبحثين عن مجموعة أشخاص في زوجك، أو كما يفعل البعض، يبحث في تصرفات توأمه عن والديه في الطرف الآخر، وهذا ظلم كبير لنفسك وللآخر، فإنك لتحصل على فتى أو فتاة أحلامك، عليك أن تضع مجموعة من معارفك في خلاطة.

ليتني لم اتزوج خاطرة عابرة تتلاشى بعد تأملك في توأمك بإنصاف، بعد أن تستعيد كل اللحظات التي لم تكن لتكتمل دونه، بعد أن ترى توأمك عبر عيون الآخرين وليس عبر القماش الذي نسجته له في مخيلتك، هكذا ببساطة سترى جماله ولن ترى سواه في وجوه الآخرين.

عطش لزخاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s