28378785_10155999177400446_660591033870003216_n

الندم، شعور يقتحم الإنسان حين ينظر لما افتعله وأوجده من اشكالية حلت به وسلبت منه احساسه بالراحة تجاه قراره أو قراراته، خليط من الحزن والكآبة والأسى والقهر والألم، هذه الحالة التي تمر بك، بعد أن تكتشف أن خياراتك لم تكن موفقة تجاه شيء ما. هو شعور لا يحتاج لمدة زمنية، قد يكون شيء لحظي، فور اقتناءك لشيء أو بيعك له، فور زواجك أو بعد طلاقك بسنوات.

يتعاظم شعورنا بالندم حسب الخسارة التي حلت بنا، وقد يرتبط الأمر برأي الناس أحيانا، تكون سعيدا بخيار ما، فتحل عليك لعنة الآراء التي لم تطلبها اصلا، بشع، صغير، باهظ، رخيص.

شعورك بالندم على تفويت الموعد ببضع دقائق أكبر منه عند تأخرك عنه بما يزيد عن ساعة، لأنك ترسم كل الاحتمالات التي كادت أن تمنحك تلك الدقائق المطلوبة. وكلما زادت احتمالات انقاذك للموقف، كلما تعاظم شعورك بالندم.

حين يراودنا شعور الندم، نود العودة بالزمن لتصحيح أو تغيير خياراتنا، صحيح أن ذلك غير وارد، ولكن لو عدنا، فإننا لن نغير شيئا، فنحن نتعلم من ندمنا الدرس الذي يجعلنا نعتقد بأن خيارنا الآخر أكثر صوابا، فإن عدنا بالزمن، وإن افترضنا أننا غيرنا خيارانا، فإن شعورنا بالندم من الخيار الأول سيتلاشى من ذاكرتنا، وتجربتنا ستكون وكأنها لم تمر بنا اصلا، وعندما نعود للحاضر، سنتمنى العودة بالزمن لتغيير خيارنا لاعتقادنا أن الخيار الآخر هو الأفضل لمستقبلنا، وهذه هي متناقضة الخيار الآخر.

لا يمكنك التخلص من الشعور بالندم أبدا، وهذا ما لخصه الفيلسوف سورين كيركيقارد في كتابه: اما/أو: تزوج وستندم، لا تتزوج وستندم ايضا، تزوج أو لا تتزوج ستندم في كلا الحالتين، صدق زوجتك وستندم، لا تصدق زوجتك وستندم أيضًا، صدقها أو لا تصدقها، ستندم في كل الحالات. ولأننا نظن أن الضفة الأخرى من النهر دائما أكثر اخضرارا، لهذا نندم.

في تصويت على تويتر قمت به، كان ندم الناس على العلاقات والصداقات والخيار الأكاديمي أكبر من التربية والوظيفة، ليس لأنهما أقل أهمية بالطبع، بل لأننا لا نرى نتائجها بسرعة كما يحدث مع العلاقات والمجال الدراسي، فالتربية كمثال لا نرى نتائجها إلا بعد عقود أو سنوات عديدة من الزمن، وكذلك خيار الوظيفة، وذلك لأننا نتعلم أخطائنا من نتائجها وحسب.

نحن نستطيع النظر للماضي، ولكن لا يمكننا استشراف المستقبل، وهذا ما يجعل من المستحيل أن نصنع خيارات لا نندم عليها، ولأنه أيضًا لا يوجد قرارات مطلقة الصواب. لهذا حاول أن تأخذ الدرس وتتعلم منه كيف تتعامل مع مواقف مشابهة بحذر أكبر وتفكير أكثر عمقًا، حتى يقل شعورك بالندم على خياراتك القادمة، لأنك دائما ستخطئ التقدير. وكلما ازدادت معرفتك وتعمقت تجربتك زاد احتمال شعورك بالندم، لأننا لا نندم، إلا حين نتعلم.

3 رأي حول “أدب الندم !

  1. حروف عانقت إحساس تائه، تساقط منه كل ما يشعره بالأمان أو الطمأنينة.. وكأني ضعت قبلك وكأني التقيت بنفسي بعد حديثك.. فلا شيء يضاهي صدق حديث أحدهم!
    وكأنه خيط ضوء يخترق كل السواد.. ما ندركه بعد كل خذلان أننا وجدنا فقط كي نسقط نستقيم نترنح نزهد نتمرد ثم بعد ذلك ننضج كما ينبغي..🥀
    شكرا لك يا صديقي
    شكرا لرحابة صدرك
    شكرا لفضاءك..🌺

    1. لا بأس أن نهوي من سماء راحتنا، لا بأس أن نفقد نجومنا التي نهتدي بها إلى طمأنينتنا في ظلمة الحياة، فالحياة رحلة طويلة لا نصل فيها إلى وجهة أصلًا، تسيرنا رغبتنا، أقدرانا التي نصنعها، ولحظات قراراتنا التي نظنها حاسمة، وهي بالكاد تحسم تلك اللحظة وحسب، والحياة لا حسم فيها لأي شيء، حتى مشاعرنا ذاتها، فما نحبه اليوم، قد نكرهه في الغد، فعن أي استقرار نبحث ونحن في هذا الكوكب الأزرق نسير برفقته بلا وجهة ولا عنوان وصول.

      حرفي محطة من محطات الحياة، واحساسك قطار عابر بها، يأخذ منه زاده ثم يمضي مطمئنًا إلى الغد، أتمنى حقًا لك سعادة لا تنقطع، وحبًا لا يغادر، وفرحًا ينقش ملامحه في تقاسيمك للأبد.

      ممتن لتلك الرغبة الملحة المبهمة التي أوصلتك إلى هنا.

  2. كلمات مطمئنة، تخاطب بصوت هادىء ، مقطفات المواقف في ذاكرتي و حاضري،،
    في واقع الندم ؛ احيانا قد نجد ان القلب يستغرق وقتا اطول لإدراك ما قد ادركه العقل …

    جميلةٌ تلك المبادرات التي تنمي وعي ً للذات ! شكرًا لك !

عطش لزخاتكم

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s