وعاد مُصغيا لــ بُكاء السماء
هدوء وسكون في ليلة سرق نصف قمرها، استيقظت على صوت ارتطام المياه بالسقف؛ فأيقنت ان السماء تمطر، لقد كنت في سبات عميق احلم بها ولكن المطر لم يرحم حلمي؛ فقتله قبل أن يكمل عمرـ ستسألني ..وهل للحلم عمر؟!! ولكن هذا سؤال تجيبه بنفسك
في كل يوم تخرج من باب منزلها متجهة إلى السوق أتابعها من خلف نافذتي وانتظر في الظهيرة عودتها رغم أنها تعود متعبة ووجهها محمر من شدة الحر لكنها تبقى جميلة…
لم أكن اعرف سبب ترددها على السوق لكن الأيام كشفت لي حقيقة أنها تعمل لتعيل أهلها ؛ فهي تبيع ما يصنع والديها وما يجمعه إخوتها من حطب….أصبحت من المترددين عليها ولكن تبقى نظرتها نحوي (مجرد مشترٍ). امتلأت الخزانة بما اشتريه منها وكلما مررت بها أقول لنفسي علَّ قلبها يحن ويرق من اجلي، إلى أن جاءت أمي وقالت كفاك أفلستنا بهذه الأغراض.
قَطَعتُ ذكرياتي القريبة ونهضت من فراشي وتوجهت ناحية نافذتي تركتُ بصمات أصابعي على خد النافذة ثم صعدت إلى العلية لأصلح ما أفسده المطر؛ فلفت انتباهي انفتاح مصراع باب منزلها هاهي تخرج دون مظلة، تمنيت أن أسير بقربها واضعاً كفاي فوق رأسها كي لا تلمسها قطرات المطر ما أن خرجت حتى بلل المطر شعرها الداكن أخذت قطرات المطر تداعب خدها كي تستفزني وددت لو المس خدها المخملي الذي يُكَسر قطرات المطر ويحولها إلى أجزاء صغير حينها خطر ببالي أن انزل فأجمع تلك الأجزاء المتساقطة من على خدها؛ ولكنها فكرة أغبى من صاحبها خدها المحمر والمليء بقطرات المطر يشبه تفاحة أصابها ندى الصباح، بالقرب من ثغرها نصبت شامة زادت من جمالها عبرت الطريق…عادت وأغلقت الباب وراءها وأغلقت أنا عيني.
كل يوم يخطفه الزمان من عمري اشعر بأنه بلا طعم انتظر فقط نظرة منها علَّ هذه النظرة تحقنني مخدراً في وريدي فلا اشعر بجروح الدنيا وآلامها، ما لهذه الأيام تمضي بسرعة فيمضي بنا الزمان فأراني كبرت وبدأ موسم البياض على محصول شعري خطوات حنينه حملت امرأة كبيرة في السن : بني.. لماذا تطاردها،واجه حقيقتك إن كانت تريدك للمحت لك لذا خلص نفسك تردد صدى كلمات أمي خلص نفسك؛ وكأن أمي تخيط جرحي دون مخدر نزلت فخلدت للنوم ليلة سُرق القمر فيها عدت لأحلم…ولكن في إحدى الأيام التي كنت احلم فيها.
استيقظت، ودون وعي مني توجهت بي قدمي نحو النافذة، وقلبي يخفق بشدة يكاد أن يمزق صدري، حاولت فتح النافذة ولكن أمي أحكمت إغلاقها دون أن اعرف سبب لذلك هرعت إلى العلية؛ فوجدت أن القمر قد سُرق، والظلام يسود المكان، لكن لحظة عجباً أناس يحتفلون ،والقمر مسروق!! سرت بخطى متثاقلة جداً وأخذت انظر، لحظة، أناس مجتمعين بكل ألوان الطيف، زغاريد عالية، ومصابيح اتخذت كل ألوان الفرح والسعادة بدله سوداء لا اعرف صاحبها وفستان ابيض لفاتنــــ…. غصة ابتلعت صوتي، إنها هي إنها هي!! ياااااه… ألم يكن بيننا وعد وميثاق! تباً كان ذلك في حلمي.. ياااه ماذا عساي أن افعل كيف لي أن أعيش بدونها، دون أن انظر إليها تباً يا لي من أحمق؛ ليتني جمعت تلك القطرات ووضعتها في قنينة واحتفظت بها، تباً لي. بدأت ابكي ولم املك شيئاً سوى العودة لاحتضان وسادتي واحتضان أحلام.
مضت بي الأيام وأخذت ما في خزانتي وقصدت السوق ادعيت أنني أبيع هذه الأشياء، لكنني كنت انتظر عودتها أو مرورها ولو لمرة واحدة بي، تكفي لتسعف جروحي. بعد مضي شهور وأنا افترش الطريق، جاءتني طفلة وقالت بصوت بريء عمي تفضل بعض النقود، رفعت رأسي مبتسماً ولكنني رأيت فيها شيء اذكره، فإذا بها آتية، أبعدت الطفلة عني وألقت ببعض النقود بقربي وانصرفت وعادت السماء لتمطر من جديد !
سبتمبر 2009