أمي استيقظي

560717_400794989950297_321958792_n

أمي استيقظي
هلّا نهضتِ؟
أمي إسمعيني
أتذكرين بالأمس
صوت القذائف
والرصاص يعبر
خلفها؟
أوتذكرين؟
أو تذكرين
النار بقربها؟
أم لم تعودي تذكرين
؟

صوت آهات النساء
وصرخات اليتامى
وحتى
إحتضار المساكين
وأنات الإناث
تسمعين
وذاك الحنين
أوَتذكرين؟

صمت أجساد
الصبايا
وبقربهم
أغلفة الهدايا
وفي اعناقهم سكين

أمي هيا أنهضى
فقد تهدم بيتنا
والهواء في هذا
الشتاء يفصل بيننا

أمي إنهضي
أوَلا تستعيذي بالرحيم
من الرجيم؟

فوقنا السماء تمطر
سقفنا
بالصواريخ
لتثمر الأغصان
موتاً عظيم

هيا إستيقظي
لنضع الأواني
لساعاتٍ وثوانٍ

فالأرض أضحت تحتنا
مبللة
بدماء إخوتي
وجيراننا وأجساد المسنين

أمي أنظري
من هنا عبروا
من فتحة سقفنا
وجاؤونا ضيوفاً
ميتين

أمي أوتذكرين ابن جارتنا
صلاح الدين؟
خالتي تنادي عليه الآن
إسمعي !!
هل تسمعين؟

إن لم تكوني قد سمعتي
فأنظري من ثقب حائطنا
ولوحي لها فقد تراكِ
تسلمين وتبتسمين.

أنظري ليدها ذاك ابنها
ملطخ وجهه
بجرحٍ أليم
يجعل قلب الناظرين له سقيم

أمي
خبرته أن لا يسرق
من الدكاكين

خبز يخفيه أحياناً
وسكاكر وبضع
عجين

وأحيانا يناولني
الليمون والتفاح
وقطع من اليقطين

يا أمي
مالك لا تردين
ولا تجيبين

أنا جائعٌ وأشعر ببرد
وأنا المشرد تحت الركام سجين

أمي هلّا أزحتِ السقف عن صدري
تعبت حقاً من حمله
فأرحميني فالألم حقاً
لعين لعين لعين

أمي أوَ أحلم أنا
أم أنت من تحلمين

أم حقاً الموت يزحف نحونا
بوجه حزين

أمي إن إستيقظت أقسم أنني
سأتفل ثلاثاً ثم أستعيذ من الرجيم

فالحلم لا يبدو جميلاً
ففي فحواه أنني أموت
وأنتِ مُتِ أو تموتين.

ميلادي الأول

  PhotoGrid_1422700189355أنا الآن رجل في سنته الأولى من عقده الثالث، أحسب ما بقي من عمري لا ما ذهب، فالعمر ينقص فيزيائيا ويزيد رياضيًا، وكلاهما يشير للآخر. اعترف الآن أنني عقلت ما قاله هتلر ذات مرة في سيرته – علمتني الأيام والتجارب التي مرت بي أنه يحسن بالمرء إلا إذا كان ذا موهبة خارقة، ألا يخوض معترك السياسية العملية قبل بلوغه الثلاثين. وحتى هذه السن يكون قد جهز نفسه بالعدة اللازمة للانطلاق وغربلة القضايا والمبادئ والنظريات – وأعلم أن ما قاله قد قاله في صياغ أو لون آخر من ألوان الحياة ولكنني أرى أنه يمكن إسقاط الفكرة على فروع الحياة وأصولها. أشياء كثيرة تبدلت وآراء كثيرة تغيرت ومفاهيم كثيرة دفنت ونبتت دونها أخرى.

لم أوضع في تجارب تغيير كالتي وضعت فيها هذا العام، كنت أقف أمام قرارات لم أكن ندًا لها عاطفيًا ولا علميًا، وأمام تبديلات لم أكن مستعدًا لها لا نفسيا ولا فكريًا. وأمام مهمات لم أكن أعلم لطريقتها بابًا ولا لعملها فكرة، ولكنني صارعت واستخرت ثم استشرت في كل منها، وكنت أرى بعد كل حدث ما اعتبره يقينا أنها تدابير الرحمن في أموري. ألمحها في كل التفاصيل الصغيرة المهملة ما قد تعجب عن تصديقه لغرابة سرده، وما تبتسم لبهجته وجمالية حبكته وتسيير الخالق له ما سأسرده في مقال منفصل.

تخليت عن أراء كثيرة كنت قد تعصبت لها وتزمت في اتخاذها، فتراخيت فيها وتساهلت معها. عرفت أكثر وتعلمت وأنا أكبر وبت أرى بعين رابعة، عينان تريان، وعين تتحسس وتلتقط التفاصيل، وعين تفكر وتفكك الأشياء من حولي وتبحث عن أصولها وتدرس أساساتها. بت حين انظر في المرآة لا أبحث عن انعكاسي بل أبحث عما يمكن لهذا الجسد أن يصنع وإلى هذا العقل أين يمكن أن يصل.

PhotoGrid_1422693774793

حبي لتصوير النجوم جعلني اتعمق في فهم الكون ومعرفة عظمته وعظمة خالقه والتعمق في القراءة والبحث عنه. في كل مرة أذهب أجدني عالق البصر في تلك الستائر السماوية المضيئة، وتلك الأذرع الملون الجذابة، وتلك الظلمة التي تظهر أكثر مما تخفي. لم أكن أعلم أن الحضارة والتطور وضوء الشمس يحجبون هذا الجمال الساحر الأخاذ وتلك العلوم الجميلة حول أسرار صنعها وعظمة أحجامها ودقة مداراتها.

آن لي أن أقول أن أحمد تغير بشكل كبير جدًا عما كان عليه قبل عام، ولكن بقيت مبادئ كثيرة في محلها ومستودعها لا يحرقها لا شرار ولا يزيحها إعصار، فلا زلت بذات الجنون والهدوء، بذات التهور والتأني، وذات الخجل والجرأة، إنه المزيج الذي يجعلني مستسيغا لذاتي، والخليط الذي يجعلني أنا.

PhotoGrid_1422701535408

العقد الثالث من عمري سيكون ثريًا بما سطرته لنفسي من أسس بإذن الله، وغنيًا بأصدقاء وأحبة قريبين مني وقريب أنا منهم ومنها هي وحدها التي صنعت عامي الأول من عقدي الثالث طفلٌ يعد سنواته الأولى معها.

نحن نكبر، إذا نحن نتغير.

واحدة تشبهني

20140913_152439_1

سئمت قول أشياء لا تصافح الحقيقية وتدبر عنها دائمًا، لهذا علي اليوم أن أقف وأمد يدي لها. أنا ومذ امتهنت الرحيل أجدني أتمنى العودة وانظر خلفي أحاول رؤية النقطة التي تركتك فيها ولكنني لا أرى سوى أفق الفراق، تغوص قدمي في رمال الأشواق، وتحرقني شمس الفقد ولا أجد أي ماء استسيغه سوى ذلك الواقر في عين الذكريات مالحٌ طعمه، حارق مذاقه أحمر لونه. كنت مضطرًا لحمل كل حقائبي معي، كي لا أعود متحججًا بشيء نسيت معك، حقائبي الأربع كانت أثقل من أن تجعلني أسرع الخطى مبتعدًا.

سيدتي كنت أعلم أن الفراق كان هو أقوى صوت سيخرج من بين ضحكاتنا وغزلنا وهمسنا ولمسنا، كنا نماطله ونغفل أعيننا عنه ونغلق آذاننا عن رؤيته وأعيننا من سماع الحزن الذي سيجلبه، أستطيع أن أصفنا بساق لبلاب، قطعت الظروف أطرافنا أكثر من مرة وكنا نعاود تسلق تلك الجدران حتى نسترق النظر لما خلف سور الحياة علنا نبصر انعكاس لقطعتي شطرنج ملونتين تختارين أنتِ لون بهجتنا وأنا لون الحزن لنثبت أننا المزيج الذي سيستمر مهما طغى لون على لون، أوليس على هذا يقسمان حين توضع الحلقات حول أصابعنا؟ ورغم كل ذلك الضجيج الذي اكتنف أروقتنا كان صدى الفراق أقوى من أن نتجاهله، ففصل بيننا زجاج شفاف. أذكر أنك كنت تحركين شفاهك، ولا أسمعك، وتمررين دمعك ولا امسحه، وتضعين كفك على الزجاج فلا تصل يدي ليدك، كل ذلك كان كفيلًا بأن يعلن رحيلنا نيابة عنا.

سيدتي، كنت ألمح دائمًا بل وأصرح كثيرًا بأنني قد نسيتك ولم يعد في سمائي شمس تبدد غيومي الداكنة وتمنع مطرها من الهرب حين تعصف بي ريح شديدة، كنت تهمسين لي بما يقوله الجميع، ثم تضيفين حزنك وقلقك ودموعك وتخبرينني بثقة وبنبرة أقرب للدعاء أن كل شيء سيكون على ما يرام. سيدتي كنتِ حين أكون في أول الربيع وأشد فتراته إزهارًا تجيدين سقياي فلا يجف ربيع البهجة والفرح بداخلي أبدًا، كنت تقولين ما يقوله الجميع، ثم تضيفين اهتمامك ومودتك وحبك، وهذا جعلك مختلفة لا تشبهين أحدًا من حولي أو حولك.

كانت مشاعري كالحديقة، وكنتِ أنتِ الحياة فيها، كنتِ أنت تغاريد الطيور وأجنحة الفراشات، وأزيز النحل، كنتِ الصوت الذي يعيد الروح، والعشب الأخضر الذي يداوي النفس والجروح. كنت كل شيء، الآن أنتِ في المعادة شوق وحنين وذكريات وحزن دفين، أستعيدك للحظات وأنساك لأيام، وما بين الإثنين أكون تائهًا لا يهتدي لطريق. لا أريد شيئًا منكِ، أريد فقط أن أخبرك أن تعرفي أنني أعيش تلك اللحظة التي قلت لي فيها لن تجد واحدة تشبهني، لن تجد واحدة تشبهني، لن تجد واحدة تشبهني.

وصلت لنهاية الرحيل يشوبني بعض ازرقاق في روحي، واختناق في قلبي، وضيق في صدري، أفتش في صناديقي عن رائحة اللقاء الأخير، عن أي شيء أستعيد فيه لحظة كنت فيها بين يديك. أغلق الباب الآخر المؤدي إليك، وألقي بمفتاحه داخل هذا النص، وأضع النص داخل صندوق ألقيه في اليم فيحمل ذكراك بعيدًا عني، وأعود أنا بذاكرة جديدة، لا تحمل شيئًا يخصك، كي لا أبحث عن أخرى تشبهك.

ألا يا عيني

10592712_708427025898559_5400306668808022414_n

 

وفيها طفولة تكاد تراها في محياها
وخلف الشفاه عقود من اللؤلؤ تسحر من يراها
إذا نالت قسطًا من تبسمها
تلملمها، وتنثرها، تقربها، وتدنيها على استحياء
وتخفيها بكلتا أياديها.
ثم تضم شفتيها إلى أقصى أراضيها، وترسل
مد عيونها إلى أطراف قدميها على خجل
تحييني، وعلى خجل أناديها
أدثرها من التحديق وبالتحديق أرويها
ألا يا عيني أيكفيك من اللقيا مفردها؟
أما في جوفك شوقٌ لتثنيها !
تثلثها تربعها أما لك رغبة فيها
فلنحتل مركزنا
ونجلس في كراسيها
نرتب نبضنا فرحا ونغني في فيافيها
ونخشى فضح مشاعرنا
فتهوي نفوسنا منها وندميها
ونبحث في بكا الليل عن حضن يداويها
ألا ياحب كم خافت نفوسًا من تداعيها
فقرب شوقها مني وقرب لي أراضيها.

الاستشفاء بالكتابة… مداخلة

10656447_10152660310330446_588164648_n

 

الدكتور والكاتب عبدالله المغلوث كان في حضرة كلنا نقرأ في جلسة نقاشية بعنوان الاستشفاء بالكتابة، كنت أحد الحضور وربما لانشغالي بمهمتي كمصور لم أتمكن من إبداء رأيي أو توجيه سؤال ما أو إضافة مداخلة، وتذكرت أن المداخلات لا تقتصر فقط على المسارح والجلسات النقاشية، فهنالك متسع من المساحات المسرحية في أقاصي الشرق وأدنى الغرب كهذا المسرح الذي تشاهدني فيه.

مداخلتي يا سيدي القارئ وأستاذي د. عبدالله كانت تختصر في جملة عنونت بها نفسي حين كنت في أشد أزماتي وأكثرها شقاءً، عنونتها حين كنت أكتب لنفسي وعن نفسي ومن أجلي، “أنا قبلة من فم الوجع”. صحيح أنني مذ بدأت وإلى القريب كنت أكتب لنفسي، لكن الفرق أنني كنت أنظف جروحي وأخيطها بها وأداوي نفسي، أما الآن فأنا أوزع أدويتي على الجميع.

قبلة ووجع، اجتماع لمتضادين، كالجمال والقبح، كنت أحاول أن أخبر القارئ أن ما أكتبه هنا قبلة، لكنها يا عزيزي ما خرجت إلا من فم الوجع، ترى جمال مفرداتها وتتغنى شفاهك بافتتانك بها، لكن ما خلفها خليط من ضيق أو حزن أو ألم كلها أوجاع رسمتها الحياة على خدي دمعة جافة، فلك الجمال وأعدك أن علي الوجع.

يا أستاذي كتبت منذ 10 سنوات ونشرت ولم أبالي بفضح مشاعري ولم أقلق من انتقاداتٍ أو حتى سخرية من ركاكة وهزل ما أكتب، كنت أكتب لأتنفس، وأتنفس لأحيا، فكان الورق سرير الإنعاش، والحبر المغذي، والقلم تلك الإبرة المتصلة بالحبر المعلق بقرب سريري، وكان أطبائي 28 طبيبًا مختلفًا، في كل يومٍ يجرون ألف عملية، بين فتح لجرح وجبر لكسر وقسطرة لقلب متجلط بالحزن. وهكذا أجر بين غرف العمليات وتبدل الأسرة والأقلام ويبقى أطبائي مخلصون يزورني طبيبهم التاسع والعشرون مرة كل شهر دون علم الآخرين، حتى شفيت بعد 8 سنوات من كل أوجاعي.

يا أستاذي حين أقرأ الآن حروفي السابقة فإنني ابتسم لشدة ركاكة حروفي وشدة صدق مشاعرها، لا أقارن أنا بالمريض القابع على تلك الأسرة البيضاء المدماة بالحبر. لو خجلت كصديقنا الذي قال أن كل شيء محتجز في جهاز “الديسكتوب” الخاص به؛ لما زارني كل قرّائي وخففوا علي حدة مرضي وشقائي، لو خجلت لما خرجت سارة من بطن رجل على شكل رواية بعنوان مذكرات أنثى، ولما رأيت ابن عليان مرسومًا بعلبة ألوان يضحك عليه الناس، وما جالت مقالاتي وقصائدي وأبياتي قلوبا تحتويها. لا تدع نقدًا يعطلك ولا خوفا يحجمك ولا قلقا يثنيك، وأكتب وانشر فوجعك قد يلامس الآخرين، ودواؤك قد يداوي من لا يكتب.

بعد السنوات الثمانية، وعراك داخلي طويل وصلت إلى حالة سلام داخلي، ولم يفارقني اثنان، نفسي وظلي مهما اشتدت العتمة كنت ألمح الأول في المرآة والآخر يبتسم لي ويلوح لي من الأرض. بعد السنوات الثمان بت أكتب لنفسي وللآخرين، لم تعد المستشفى مخصصة لي وحدي، وفتحت فيها الكثير من الأجنحة، وأطبائي الثمانية والعشرون يؤدون مهماتهم بإشرافٍ من الطبيب التاسع والعشرين. لهذا يا سيدي فإن الكتابة شفاءٌ ودواء لكل سقيم وأنا ومن تحدثت عنهم أمثلة حية تحكى في كل يوم.

هذه هي مداخلتي د. عبدالله.

.

لوحتي الرابعة

w4tg

وفي وجه ابتسامتها وجوه كثيرة
وجوه خجل وحياء
وجوه ساحرات فاتنات
وجوه لبتلات ونورات
ووجوه لا يقرأها إلا مفتون بك كحالي.
ترى من خلف تلك الوجوه التي تدور في أفلاكها بكل اتزان
نجوم بيضاء متراصة تخفيها تارة وتبديها ع استحياء تارة أخرى.
تضم كلتا يديها إليها،
كف جمال
يعلوه كف أنوثة
يعلوهما كف أناقة لسيدة تجيد ارتداء الحشمة
وتطريزها بنقوش الحياء والوقار.
يعلو ثغرها نقطة في بحر بياضها
لا من سوء يصنعه بل يزيد جمالها،
ومن طرفها ارفع ريشتي أرسم بمتعة حدود رمشيها
وكأنني أرسم هلال العيد
بل وكأنني أرى العيد هاهنا في زمردتين تبرقان في عتم الدجى
ضحوكتان اذا سرت دامعتان بحزن إذا جرحت؛
تشقى في أثرهما روح الناظر
وينفطر فؤاده كما فؤادي المنفطر ببعدها عن أذرعي،
اهجر ريشتي، احرر إبهامي المكلوم
أمرره من تحت جفنيها
أمسح أثارا لآهاتي التي دفنت هنا،
وابسط كفي على الالوان
أفسدها على الخد،
أيا بعد المسافات أيا وجعي.
أعود فأرفع كفي من الألوان
أمسك ريشتي وأنفض عقلي من الأوهام
أصح الاخطاء تباعًا وأدنو من بعدها
أرسم على الخد لحم ديباج من الجهتين
أحيك تورده بخيوط من الخجل
ثم أدنو من الشفتين على وجلٍ
أأرسمه ليرسمني؟ أألمسه فيحرقني!
أبدأ على مهل ألونه بلون فاتحٍ جذاب،
أخلط الألوان على اللوح دون تكلف
أحضر الأحمر والأبيض فيمتزجان
ارسم على مهل فتنتي وبقعة الآثام
في جملة السحر الذي يختال بوجهها
وكم تبدو كعروس البحر حين تبتسم
وتدنو من تبسمها فلا اسمع سوى الخجل
حديثها كما اعتادت أن تكلمني.
وحين تجف صبغة الألوان، اناظر عن يميني
وعن شمال أمن إنس ومن جنٍ يراقبني؟
أقبلها وقلبي يخفق حارقًا صدري، ثم أمسح آثار
آثامي وقلبي يخشى أن تشاركني ذنبي.
فأرفع ريشتي أرسم قامتها من الرأس إلى القدم
كم يهوى الشاعر الذي تغنى بسعادٍ قائلًا
لا يشتكي قصرٌ منها ولا طول
ثم ألقي عليها من الستر حجاب يزين تاجه
الإيمان، وادنو من عباءتها فألبسها
من الرسغين وحتى أخمص القدم، وأتركها
حافية يعلو فوق قدميها صوت لخلخالٍ
أرسمه في أذني. وأرسم من حولها
ورد من الجوري والياسمين والأوركيد
يأطر عمق دهشتنا أنا والروح والقلب
أضع الألوان والفرشاة وأجلس على الكرسي
أدخن الغليون وأنا في آخر العمر، أسحب
آخر الأنفاس وأنفخ بوجه الحياة خيالاتي
وأحزانًا أعرفها بأن لا شيء سيجمعنا
سوى ألواني وفرشاتي ولوحات حروفي.

آهاتي الأربعة

557285_356495944425004_131691506_n

سيدتي هل لك فقط أن تمنحيني دقيقة؟
اسمعيني، انظري إليَّ ولا تتحدثي
فالصمت الذي في عينيك خلاب
وصمتك الخلاب هذا يصلح أن يكون رواية
لا تقلقي لن اكسر صمتك ولكن اسمعي آهاتي الأربعة
وسأغادرك أحملهن قطع زجاج مبعثرة تمزق يدي.

….

ذات شعوذة تخليتي عن حجابك لبرهة،
حينها فتن القلب بتلك المتخفية
تحت ظلمتين لا ثالث لهما إلا ما ترتدينه،
ظللت متسمرًا
داخليًا يجاهدني جسدي أن لا افتضحه،
كم وقفت انظر انحناءاته
عند أذنيك الصغيرتين؟ لا أدري
فعلوم الفلك فوق علمي سيدتي،
لكنني أدري أنني خالفت قانون الجاذبية
الأرضية تائهًا في جاذبيتك و غادرت
جسدي…
اقتربت منك وملت حتى اقتربت شفاهي من أقراطك
تبتغي أن تستبيح المساحة بينهما لتملأها
همسًا ثرثرة لا يدركها سوانا،
ومن ثم غادرت أبحث عن مقبض باب الخروج
متخبطًا عالقًا بين عالمين، وفي ثغري

….

آهٍ خفيفة
مسموعة في مساحات جسدي
المتخشب يراود صداها عن نفسه.
إن رموش عينيك لمكحلة للنساء جمعا،
فهل تدركين ذلك يا آنسة؟
اذكر حين حدثتني لم استطع الخروج من قضبان رموشكِ
,,, وهذه

….

آهٍ ثقيلة
أتوسلك فيها أن أخرجيني قبل أن أتبعثر في عينيك أكثر
اعلم انك لا تكترثين لي فكيف بالماء أن يأبه لقطرة
لكن لا أسألك سوى أن تكفي سياط نظراتك
تجلدينني بها، فاحتملها بألم أبكم، أنى لي سوى أن أتألم !
من تحت كفي التي تستند عليها ناصية رأسي لناصية
جمالك أتأمل نظرًا، أتعلم سحرًا، أتكلم شعرًا
وأتمتم دون أن أجعلك تدركين بذخي وإسرافي
في النظر!

….

آهٍ أخرى عنيفة
تكاد أظافري تغور حيث تدنو
من ناصيتي، فتترك آثارًا وتُعَلِمْ.
أعود لأهرب منك وأعود لداري أتناساكِ
أقف انظر لوجهي المتألم، فأرى علامات أظافري
فأذكرك فيخفق قلبي المستسلم.

….

آهٍ أخرى على مقصلة تصرخ

والجلاد فوقها يبتسم
فينزل بها العقوبة فتُعدم
ولا يبقى مني آهٍ أخرى
وأنا اليوم مستسلم مستسلم مستسلم مستسلم

أكملي صمتك سيدتي، لا أريد لروايتك أن تنتهي
وما قلته، أنفاس غريق لا يسمع لها صدى
يا سيدتي انسي ما قلته
أنا فقط كنت أثرثر و أثرثر و أثرثر و أثرثر
وفي فمي

آهٍ
أخرى ولكنها هذه المرة
صامتة

على ذمة التحديق

C360_2013-10-31-08-53-40-182-1

معذرة سيدتي على هذه الفوضى التي في مكتبي
تفضلي وأجلسي ريثما أرتب أوراق أفكاري، وأمسح
عدسة بصري، اجلسي لأكتب، فكل ما كتبته لم
يكن مناسباً، لا هذا ولا تلك، دعيني أبعثر كل شيء
وأعود لأكتب كل شيء من جديد، شرطي الجمال
أخبرني أنك لديكِ الكثير من التجاوزات، عيناك فتنة
للقاصي والداني ولم تحجبيها، وثغرك يسيل منه
الرحيق فتضيء شفاهك بألوان القزح حين تداعب
قطراته شمس الناظر إليكِ، وشعرك الأشقر به
روائح فرنسا كلها، وهذا لا يجوز ففرنسا دولة مخالفة
بمعنى الكلمة لكل دساتيرنا، وجسدك الممشوق
لا تسعني دفاتر المحضر أن أكتب مخالفاته وحدها،
أستميحك عذراً، ولكن سأطبق القانون عليكِ
وسيتم حبسك في سجن عيني، وذلك على ذمة
التحديق

ياء تقصرها

قثلف

يفصلنا عن النهاية هاوية،

إما أن تمهد وإما أن تمدد فتنتهي عندها الحكاية،

حكاية نسجت غزلها الأيام بكل ألوان القزح،

بيضاء حنونة و
حمراء عاشقة،

صفراء مليئة بالغيرة

وزرقاء متشحة بالهدوء،

كفي ترتفع تنثر

أمانينا عل السماء تمطرها باللقاء،

تترامى أطرافه عن اليمين فقط متجاهلين

شماله حتى يفرقنا كفن.

فما من يسر إلا بيده

ومامن عسر منه إلا لخير

فرب
أكتب لي بعد اليسر ياء تقصرها

وتقرب أوانها. ♥

ارتدي قناعك

DSC_2025

ارتدي قناعك

فماذا يهمك؟

أنا !!

لا يهمك هذا الشخص

فهو أول ما تتخلين عنه

يتسرب من جوفك

وكأنه دخان

طرده مدخن عبر

ثغره الموارب

بل ماء

ذاب في قبضة

قاسية

لم تدري كيف تحتويه

بل حتى هواء تخلى

عن رئتي مريض

مر

كالعطر بأنفه

وفارقه

مع روحه

ارتدي قناعك فماذا

يهمك؟

جرحي !

لا يهمك هذا الجرح

فجروحك كثيرة

وهذا فرد في جماعة

بل جماعة في مجاعة

يرقصون رقصة المطر

عل السماء تمطر

رغيفًا

فتمطرهم

جوعًا

وعلى مثلي

جروحًا غائرة

لا تغادر جسدي

ولا قلبي

ولم يسلم حتى

طيفي

الذي لم يتقن التحليق

في حضورك

ارتدي قناعك

فماذا يهمك؟

حزني !

كأنك لا تعرفين طعمه !

أنت صانعه

أنت الطباخ

الذي يتذوقه ويلونه

كيفما يشاء

ثم يلقى الثناء

جارسون لا يعرف

أحدًا

والكل يناديه

ب “هيي” أو يصطنعون

له اسمًا صوتيًا ك “فيو”

خارجًا من بين طيات لسان

وثغر عابث بالهواء حوله

ثم يلام على كل شيء

على الطعم

والشكل

وعلى الشعرة

التي سقطت فيه

وأنتِ بعيدةٌ عن كل هذا

فلن يميزك أحد

فحقيقة قناعك لا

يعرفها سواي

ارتدي قناعك

فماذا يهمك

سوى نفسك وعالمك

وسأبقى أنا انظر

إليك مجردة

من كل شيء

حتى من ثياب

الأنوثة ذات الماركة

المزيفة

ارتدي قناعك

فماذا يهمني

فما عاد يهمني شيء

سوى نفسي

التي ابتغي أن تعود لي.