لماذا نحزن لهذا المشهد

في اختبار قامت به بوستن دايناميك روبوتيك في مختبراتها حول الروبوت أطلس الجديد، أختبر المهندسون قدرات الروبوت ومدى مثابرته، الطريف في الأمر أن ردود الفعل كانت طريفة، فقد عمد البعض إلى سب وشتم المهندسين على طريقة تعاملهم مع الرجل الآلي، حين قاموا بدفعه، وإسقاط الصندوق من يده عدة مرات، ومن ثم دفعه حتى سقط على وجهه، البعض شعر بإستياء، رغم إدراكه إلى أن أطلس لا يتجاوز كونه رجلًا آلية.

هذا المشهد وردود الأفعال هذه طبيعية لأن البشر غالبًا يجسدون الأشياء في صورة إنسان بشكل، يطغى على حسنا المنطقي، فالبديهي أن الجاثم أمامنا هنا رجل آلي عبارة عن قطعة من الحديد، وأسلاك ومحركات ومجسات، لا شيء بشري فيه، فهذا الآلي لن يشعر ولن يعبأ بما يصنع به
فهو فقط ينفذ ما يطلب منه، شعورنا بالحزن والاستفزاز تجاه التصرف يوضح مدى تعاطفنا، مع ما نجسده ككائن حي أيًا كان ذلك الشيء، حتى لو كان مجرد خوارزمية تستطيع التحدث معك، وهذا يظهر مدى ما تحمله النفس البشرية من مشاعر التعاطف وحاجتنا للعطف وحاجتنا لمنحه للآخر، الآخر الإنسان أو الآخر الذي نعتقد بأنه من الممكن أن لديه مشاعر

ما يزعجك هنا غالبًا أنك تشعر بأن الرجل الآلي مغلوب على أمره، ويجعلك تستعيد مشهدًا لعامل مسكين يهينه ويعتدي عليه سيده ويتعمد في جعل مهمة نقل حمولة ما صعبة جدًا، لذا لا تقلق إن شعرت بضيق وأنت تشاهد هذا الفيديو فهذا يدل على أنك إنسان، ولا تقلق على الرجل الآلي، ففي نهاية المطاف خرج وقد ترك المختبر كما ترى وهو يقول لهم : تبًا لكم.

ويبقى السؤال في الوقت الراهن، هل سيكون هنالك حقوق للآلين، ماذا لو قال الآلي “آخ إني أتألم، كيف ستكون ردة فعلنا وكيف سنتعامل معه، وسؤال مبالغ فيه، هل سيقول أحدهم يوما ما: متى استعبدتم الآلين وقد صنعتموهم أحرارًا!

أعد النظر!؟

aa

البشر بطبيعتهم لا يحبون كل جديد على عاداتهم وتصوراتهم وتقاليدهم وحتى بيئاتهم. نحن كبشر ميالون إلى البقاء في دائرتنا الشخصية، ومحيط الألفة، ونطاقاتنا المعتادة، ونخشى من كل وارد وشارد وعابر، وإن أرغمنا على ما لم نكن فيه نجد أنفسنا نقف أمامه نصده ونلعنه ونشتمه، ونبحث عن كل أخطائه ونجمعها في حصالة نكسرها كلما أردنا أن نتذمر وننصف فشلنا، أو نعلل حزنها وكمدنا.

يقول غاندي: في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر”، هذا حال كل من جاء بما لم يأتِ به أحدٌ من قبل، ومقولته خير دليل ووكيل للتغيير، حيث أن طبائع الناس في النهاية القبول بالجديد وإن كان على مضض، علبة المشروب الغازي قفزت من مائة فلس إلى مائة وخمسون، الآن لا أحد يذكر تلك المعركة التي قامت ضد هذا التغيير الذي عملت به الشركة هنا، وهذا بالضبط ما حدث لقانون المرور الجديد في البحرين فور صدوره؛ فالكل أصبح كلاعب الخفة الذي بيده كور يرمي بها مرارًا في الهواء وفجأة فقد السيطرة عليها. لا شيء تغير البتة عليه سوى أن هنالك ما أربكه، أعترف تلك المبالغ التي تم تناقلها عبر وسائل الإعلام المتصل والمنفصل قد تسبب سكتة قلبية لموظف قد لا يتجاوز راتبه نصف تكلفة المخالفة، ولكن مع قليل من التفكير واستخدامي لقدراتي الرياضية التي قد تنافس الخوارزمي أجد أن السكتة القلبية قد تكون أخف وطأة من حادث تموت فيه أسرة، أو يدهس فيه طفل، أو يبقى فيه الضحية أو المتسبب في الحادث مصابًا بشلل، أو إصابات خطيرة تبقيه طريح الفراش بقية حياته، يطعمه الناس، ويذهب برفقته إلى دورة المياه آخرين ليساعدوه في قضاء حاجته.

أعلم كيف سيفكر كل شخص، “المرور يريد أن ينهب الشعب”، ولن ألوم أي شخص يفكر بهذه الطريقة، لكن بعملية رياضية حسابية أخرى أتفوق فيها على اينشتاين هذه المرة، دعنا نفكر في السيناريو التالي، تخيل أن المخالفات كلها بألف دينار، لو أنك يا شوماخر، وأنت يا وكيل مارلبورو، وأنتِ يا ميكابفوريفر، وأنا معكم لم نرتكب ولا مخالفة، البتة، هل ستنقص من أموالنا شيء؟ وتخيل لو أن الجميع أصبح يشعر بأنه يحتضن راتبه الشهري كلما أرتدى حزام الأمان، أو خبأه في حذاءه كلما قام بتخفيف سرعة القيادة، أو أمسك به بيديه كلما أمسك بالمقود دون أن يشغله هاتف أو مساحيق تجميل أو وجبة طعام أو حتى أصبع دخان، هل سينهب المرور الشعب رغما عنه حتى وإن لم يرتكب مخالفات!

إننا أحيانًا نقرأ كل موضوع باستعجال جم ودون حتى إعطاء الآخر فرصته لتوضيح وجهة نظره ورؤيته في المسألة. وأرى أن حملة “أعد النظر” والحملات التوعوية التي قامت بها إدارة المرور كفيلة بوضع النقاط على الحروف جميعها ما عدى الألف لأنني لا أتخيل ألفًا فوقها نقطة. البعض يتذمر ويقول بأن الحملة التوعوية أتت مع فرض القانون ومتأخرة، مع أن المرور يقوم بحملات توعوية مستمرة لكنها لا تلقى اهتمام الجميع لهذا لا يدري عنها ولا يدركها إلا تلك القلة المهتمة بالسلامة.

مشكلتنا أو بعضنا أننا نظن أن الشوارع ملك خاص وشخصي، فلا نسمح لتجاوز، ولا نمهل القائد الذي أمامنا الفرصة لإيجاد فرصة لخلق مساحة عبور لنا، وتجد البعض يكاد يدخل بسيارته ليجلس في الكرسي الخلفي لسيارتك. دائمًا نظن أننا في سباق مع الوقت، لندرك وقت عملنا أو حتى موعد صديق أو موعد مباراة لكرة القدم، ولا ندري أن الموت قد يدركنا قبل أن ندرك مواعيدنا المتأخرة، أو نصل لكن بيد أو ساق مبتورين. أذكر أنه ذات مرة رأيت سائق سيارة أخذ يتجاوز في شارع ذو اتجاهين مما أربك بقية السائقين، ظننته يحمل زوجة جاءها المخاض، أو طفل ينزف، وأخذ طريقًا باتجاه منزلي، فما كان مني إلا أن رأيته يترجل من سيارته، ثم يحدق في السماء لبرهة، ويسير على مهل ليدخل البيت! بحثت عن الطفل الذي أنجبته زوجته، أو حتى آثار دم طفله فلم أجد، بلغة أخرى، لم يكن هنالك ما يستدعيه ليجازف بحياة الآخرين وحياته بهذا الشكل.

يعتقد البعض أنه ومع لبس الحزام فإنه سيكون محصنًا من الموت هو وبقية السائقين من حوله ويمكنه أن يقود بأي طريقة شاء، ويقطع أي إشارة يريد، ويحلق بأي سرعة يحب، ويظن البعض أنه ومع فتح إذاعة القرآن الكريم على صوت محمد العجمي أو السديس فإن ذلك سيكون درعًا له من الحوادث وإن كان يقود بتهور واستهتار، أو حتى في يده أصبع سيجار.

إن أهم أسباب التهور هو الغضب ، ويخلق هذا عدة مسببات، تهور السائقين، الإبطاء للنظر في حادث أو فتاة جميلة على قارعة الطريق، أخذ مسار الآخرين بالقوة من جهة الخطوط الصفراء، الوقوف فوق المربعات الصفراء عند الإشارات مما يعطل انسيابية الحركة، الإنشغال بوضع مساحيق التجميل في الطريق، الأكل والشرب والتدخين مما يجعل القائد بنصف تركيز مما يبطئ من حركته أو يجعلها غير مستقرة تتأرجح يمنة ويسرة، وأخيرًا الانشغال بالهواتف؛ استعيد هنا موقفًا بسيطًا لرجل أمامي إنشغل بالهاتف وأخذت سيارته تتأرج حتى كاد يصطدم بالسيارة التي عن يمينه، فقمت بالضغط على “الزمور” أو “الهرن” حتى يتنبه والحمد لله لم يتسبب في حادث.

ما أود أن أوجزه من هذا المقال أو الخاطرة أن أغلب من مات في حادث كان يظن أنه الأشد انتباها والأكثر حرصًا على الإطلاق، كتبت فتاة في الفيسبوك: من قال أن الكتابة في الهاتف أثناء القيادة أمر صعب؟ ثم تبعتها بقهقهة، وكان ذلك آخر ما كتبته في حياتها بعد أن اصطدمت بشاحنة لم تنتبه لتوقفها فجأة. الموت بالحوادث يعتبر أحد أهم عشرة أسباب للوفيات ويأتي في المرتبة السابعة. لذا وقبل أن تقرأ رسالة وصلتك، أو تجيب على مكالمة واردة فكر، هل هذه المكالمة تستحق أن أفقد أحد أطرافي لأجلها، أو حتى حياتي، أم أن حياتي أثمن من زر إعجاب في انستقرام، أو مكالمة يمكنني الرد عليها لاحقًا، لذا فإن هذا القانون خلق لمصلحة الجميع لا لسرقتهم، وقد لا يتماشى أو يتماهى مع مصلحة المتهورين من وجهة نظرهم، ولكنهم قد يدركون ذلك بعد فوات الأوان، ونتمنى أن يدركوه قبله.

قودوا بسلام، كونوا بأمان.

توقفت الأرض !

Let's Explore Science... Space

شاهدت قبل قليل فيديو انتشر لداعية يقول بعدم دوران الأرض بحسب النصوص الشرعية الثابتة وأقوال العلماء الثقات دون الإشارة لأي منهم هنا لأنه ليس من حاجة لذكرهم. يستند بذلك على عدة أمور علمية من منظوره الشخصي بعيدًا عن الدين، وهي أن الطائرة لو وقفت في السماء من مطار الشارقة يجب أن تصل للصين دون أن تتحرك، أو إن سارت بعكس اتجاه الأرض فإنها لن تصل للصين لو كانت الأرض تدور. ويستشهد قبله بحديث أن البيت المعمور بمحاذاة الكعبة ولو سقط لسقط على الكعبة، بينما لو كانت الأرض تدور فلن يسقط على الكعبة، وأستشهد قبلها بقول إبراهيم إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، وقول الله تعالى الشمس تجري لمستقر لها. وقوله تعالى كل في فلك يسبحون، وقوله تعالى أن تميد بكم.

لا أعجب من أن البعض يحاول العودة للقرون الوسطى والظلامية وإعدام العلماء والقائلين بما يخالف الظن بمفهوم علماء الدين والفقه، سواء في العالم الإسلامي أم المسيحي، وذلك بحجة أن العلم يفسد الدين وصراط الضالين في العالمين نحو ترك الدين والإلحاد، بل ولا أعجب ممن لا زال يؤمن بنظرية الأرض المسطحة والأرض محور الكون والاكتشافات والاستكشافات الفضائية ليست سوى مسرحية وأفلام هوليوودية. ولا أعجب حتى ممن قد يقول بأنني لم أكتب هذه المقال إنما كان موجودًا على الورق وأنا خربشت بقلم الرصاص فوقه فظهر. ولكن أعجب ممن يقول: اسألوا كل ذي علم في مجاله، ثم يبدأ كل فرد في المروق إلى علوم لا فجلة له فيها ولا بصلة أو حتى شتلة بقدونس. ويظن أن العلوم كلها هي علوم الفقه والدين بل وجعلها من أفضل علوم الدنيا حتى بتنا فقط نحصر أنفسنا وأبنائنا وعلمنا في الشريعة والفقه فأصبح العالم كله أصحاب فتاوى ومشايخ وقل فينا المستكشفين والمخترعين بسبب هذه الأفضلية المزعومة التي خصها البعض لأنفسهم، لن تجد عالمًا يكتشف.

يقول الله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء. ويقول في آية أخرى: يرفع الله الذين آمن منكم والذين أوتوا العلم درجات. وهذا تفضيل من رب العالمين الذين آمنوا والذين أوتوا العلم، والذي يطاوع مرة أخرى فقط على أنه علوم الدين والشريعة، وكأن الكون وعظمته التي تظهر عظمة خالقه ليس لها من النصيب من شيء عند هؤلاء. وردًا على قول الشيخ بأن لماذا لم نكتشفه نحن، ببساطة لأننا لا نملك التطور الذي يملكونه، ولأننا أتينا من بيئة صحراوية، ولأننا تقاعسنا عن العلوم بفضل التفضيل الحاصل لعلوم الدين عن علوم الدنيا، والتي أؤمن وموقن أنها لا توصل إلإ إلى الله وللدين الحق ولعظمة هذا الخالق، عدى عن أنه وبسبب هذا التشدد النصي يشعر العالم أو البحاث بأنه ملاحق دينيًا ولا يجد مساحة البحث الحرة دون أن يجابه بالتكفير والزندقة، فيلجأ إليها للوصول إلى حقائق يشتهيها من باب حب المعرفة والإستكشاف.

فلنتحدث عن الحجج العلمية التي أتى بها الشيخ ونفكر بها بنفس البساطة التي تحدث بها، ماذا لو أن طائرة وقفت في السماء فهل ستصل الصين للطائرة أم على الطائرة الذهاب للصين. أولًا لا يمكن لطائرة ركاب أن تقف في كبد السماء وإلا لسقطت، لهذا هي بحاجة لحركة أفقية لكي تستقر في السماء ولن أسهب في شرح الفكرة، الأمر الآخر، تخيل أيها الحيران أنك داخل باص متحرك كبير جدًا وقفزت داخل الباص وكان الباص يسير إلى الأمام وأنت في المقدمة، فهل ستصل للكرسي الخلفي للباص؟ ولو كنت في المؤخرة وقفزت والباص يسير إلى الخلف فهل ستصل إلى المقدمة؟ ببساطة وكعاقل ستقول “مستحيل” إذا أنت على الأرض في باص كبير جدًا متحرك، لهذا لو وقفت الطائرة فإنها ستكون كذلك الذي قفز في الباص فلم يصل لا لمقدمة الباص ولا لمؤخرته، أعني لآخر كرسي كي لا يساء فهمي.

أما قصة البيت المعمور ولو سقط، فهذا في علم الغيب كما يقال فلا أنا ولا أنت يحدد طريقة السقوط وماهيته فكف عن الاستدلال بما لا يمكن الاستدلال به لقلة إلمامي والمامك به، وإن أردنا الرد على هذه الحجة فالرد بسيط جدًا فما هي إلا كناية فقط على كون البيت المعمور في مستوى الكعبة ولم يكن في بغية الرسول أن يقول بأن الله سيسقطه ولم يتحدث عن طريقة سقوطه وإنما إشارة ودلالة على موقع البيت المعمور من الكعبة.

كذلك قول إبراهيم إن الله يأتي بالشمس من المشرق، هي ليست دلالة على عدم الدوران، وإنما توضيح لظاهرة الشروق والغروب، وحتى العلماء الغرب لا يقولون بخلاف الظاهرة وهي الشروق والغروب لأن من الممل أن أقول أن الأرض دارت فوصلت الشمس بمحاذاة الأفق الشرقي واستمرت فنزلت الشمس بمحاذاة الأفق الغربي، ولهذا أستخدم مصطلحي الشروق والغروب أي ظهور الشمس من جهة الشرق بسبب دوران الأرض ونزولها نحو الغرب بسبب دوران الأرض، اشعر بالملل لمجرد كتابة هذه التفاصيل. لذا إبراهيم كان يقول بالظاهرة ولم يقل بالتوضيح العلمي وإلا لأنزعج النمرود وترك الجدال.

أما مسألة الشمس تجري لمستقر لها، فالعلماء اختلفوا فيها، ولكن يكفيك أن تعلم أن الآية التي ذكرتها بعدها تدل على ما أود الإشارة إليه حيث أن الأرض تدور حول محورها وحول الشمس والكواكب كل كوكب يدور في فلكه “كل في فلك يسبحون” بحيث لا يخرج أي كوكب عن مداره في دلالة على دقة هذا الدوران وعدم تداخل الأفلاك وإلى لأدركنا الهلاك. والشمس تدور حول المجرة في أحد أذرع المجرة، والمجرة تسبح في الكون وكل هذه الدقة في الدوران المنفرد والمجزء إن دل فإنما يدل على دقة الكون المتناهية ودقة صانعه وخالقه ومدبره.

النقطة الأخيرة، سأستدل لك بالقرآن لأثبت لك دوران الأرض، الله عز وجل يقول: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء. وفي هذه دلالة قوية وكناية بديعة لارتباط دوران الأرض بحركة السحاب. بعض المفسرين قالوا بأن الجبال تتحرك مع الزمن من عوامل وحركات لا تتجاوز السنتميترين في السنة، وهو ما ينافي التشبيه. الله حين ربط الحركة بحركة السحاب دليل على أنها حركة سريعة فالكل يعي أن السحب قد تتشكل في بلد ثم تمطر في بلد آخر وهو من حكمة الله وتدبيره، لذا فمن يقول بأنها الحركة البسيطة فإنه يقع في مخالفة الآية بشكل صريح، والله عز وجل لم يحدد نوع سحاب محدد، بل عمه وشمله، ولذا فإن هذه دلالة على حركة الأرض وحركتها إنما هي دورانية، وبالنسبة لاستدلاله بأن تميد بكم، فمعنى الميد هو الميلان، والرواسي التي ألقاها الله ليست الجبال وذلك لأنها تقابل آية في سورة فصلت التي توضح أن الجبال ليست الرواسي لقوله تعالى: والجبال أرساها. ولم يقل والجبال رواسي. ومن المعروف أن الأرض تميل بمقدار 23 درجة إلى اليمين مما يخلق الفصول الأربعة، ولو حصل الميد لبتنا نعيش فصلًا واحدًا طوال السنة، وهذا القصد بالميد أي اختلال الحال التي هيأها الله للعباد في الأرض.

نصوص فتاوى العلماء ليست كتابا مقدسًا نزل من السماء لنأخذه كما هو دون تمحيص ومراجعة، فأحد المشايخ الذين استدل بهم الشيخ قال بأن الأرض مسطحة ثم تراجع عن فتواه فيما بعد، وهذا دأب من يتعجل في شرح القرآن بعلمه الضيق في الفلك وعلوم الفيزياء. لأننا وكما نرى أنه ومع الوقت يرى في كل عصر الناس من المعاني مالم يره السابقون في القرآن، وهذا ما يبقي القرآن الكريم مهيمنا على المعرفة الإنسانية ويسمو فوق كل ما تعلم الإنسان. فليس من العيب التراجع عن رأي أو فتوى، فحتى العلماء تراجعوا عن بعض ما ظنوه حقيقة بما يظنونه الآن حقيقة.

مؤمن أن العلم يجب أن يوصل للدين والدين بطبيعته يوصل للعلم. هنالك قصة مشهور أن شيطانا تلبس في شكل إنسان وسأل شخصًا عابدًا زاهدًا، هل يستطيع ربك أن يجعل الأرض داخل البيضة، والبيضة هي كما هي والأرض هي كما هي أي لا يتغير حجمهما، فقال العابد: لا لا يستطيع. فذهب الشيطان لعالم وسأله وهو يلقي درسا ذات السؤال؛ فأجاب العالم: ويجعلها تخشخش، أي وسيكون هنالك فراغ في البيضة! ويمكنك البحث في قصة السير جيمس جينز في كيفية تيقنه أن الذين يخافون الله حقًا ليسوا الجهلاء بل العلماء، وكلما تعلمت أكثر كلما اقتربت من الله أكثر، تأكيدًا لقوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء. لذا إن وجدت نظرية أو قاعدة تخالف القرآن بشكل صريح، فإننا يجب أن نرجع لتفسيرنا للقرآن في تلك المسألة ثم إن وجدنا أنها تنافي ذلك التفسير إما علينا مراجعة التفسير وإما مراجعة النظرية، قبل القول ببطلانها أو تنافيها مع الدين.

لذا وقبل أن تقف بطائرة إيرباص في السماء لتصل الصين إليك، وقبل أن تسير دون أن تصل، وقبل أن توقف الأرض عن الدوران، اقرأ وأبحث وتعلم وتدبر، فالأرض إن توقفت عن الدوران، فلن تبقي ولن تذر وكل ما يجعلها متماسكة هي القوانين التي جعل الله بها دوران كل شيء وحركته فيها. ريتشرد فيمن يقول “بعض الناس يقولون كيف يمكن لك أن تحيا دون أن تعرف؟ لا أعرف معنى ما يقولون، أنا أحيا دائمًا دون أن أعرف، ذلك أسهل، ولكن كيف لك أن تعرف؟ هو ما أريد أن أعرفه.”