الفضيحة والفضيلة

DSC_7050_preview

كلنا نختبئ خلف حاجزنا الورقي المسمى بالفضيلة، وما أن يمزق ذلك الحاجز حتى نطفق خصفًا من ورق التبريرات التي نستر بها ما انكشف، هذا الحاجز نخفي وراءه كل عيوبنا، كل أسرارنا، كل نزعاتنا ورغائبنا التي نحاول سترها ليل نهار بكل ما أوتينا من قوة ومن رباط الخير، لا أحد لا يملك خطيئة، أو عيبًا لا يريد لأحد حتى الله أن يراه. وهذا الافتضاح الذي يحصل بإرادتنا أو دون ذلك يعتبر فضيحة، أيًا كان الشخص وأيما كان المجتمع الذي فيه والذي يحدد شكل الفضيحة وحجمها.

في البدئ يجب الفصل بين الفضيحة الجنسية، والفضيحة كمفهوم عام أي ما يحاول الآخر إخفاءه من عيوب. مطاردتنا للفضيحة الجنسية لا يقارن بباقي الفضائح، فهي تعيد رسم خيالاتنا ورغباتنا، فأحيانا نتمنى أن نكون برفقة هذا الشخص، ومعرفة تجربة الحب معه، وملاحقة هذه الفضيحة تتيح لخيالنا الفرصة بأن نجنح قليلًا من الخيال التام، إلى الخيال المربوط بحقيقة مرئية وشبه ملموسة، فمطاردتنا لها دافعها اللاواعي، وهو أحيان الرغبة الخفية. ليس بالضرورة تلك الرغبة مرتبطة بشخص تحبه، أحيانا بالمشهور أو قالب الشهرة بحد ذاته، فهو بعيد المنال غالبًا، وهو يبدو أكثر جاذبية من غيره بسبب هذا البعد الكوني الذي خلقه حشد من المعجبين والمتابعين. جانب آخر وهو بحثنًا عن تلك التفاصيل التي تخفيها الثياب والأخلاق، فهي لا تظهر لنا الجانب الآخر من الشخص، الجانب الذي قد لا يدركه إلا أقرب المقربين، وهي نزعة من فضول لا يؤمن بالقيود

نحن نحب الفضائح، بل أكثر من ذلك؛ نحن نعشقها، نحب أن يكون الآخر دائما متاحًا، دائمًا معيوبًا، لا نحب ما نراه منه عبر فضائله وحكمته وإحسانه، لا نحب ان نراه خلف نجاحاته ومقابلاته وانتصاراته، فنحن نحاول أن ننتصر على عقد نقصنا بهذا الشكل أحيانًا، وأحيانا أخرى نود أن نشعر بأننا طبيعيون، نخطئ كما ذلك الذي بنينا له تمثالًا في أذهاننا، على الرغم من أنه لم يُطلب منا ذلك، يبدو دائمًا البقاء في الجانب الآخر سهلًا، حيث يمكنك أن تلقي أحكامك على الآخرين، وتتفرد بسلطتك التي تظنها وهبت لك حال وقوع الآخر في خطأ.

ربما تشعرنا الفضيحة بأننا أفضل من الآخرين -وإن لم نكن كذلك- وأننا أكثر استقامة وكمالا، نحاول أن نجد طريقة لهدم الصرح الذي بناه هذا الممثل أو تلك الفنانة وهذا المقدم، قد نظن أن سبب فشلنا هو نجاح هؤلاء، فلو منحنا ذات الجمال، ذات الصوت، أو حتى ذات الكاريزما لربما كنا مكانه، نحن نكشف ونفضح أنفسنا في خضم هذا السعي عن عدم رضانا الداخلي، عن حالات انهزامنا أمام الحياة التي نظنها لم تنصفنا كفاية، وانصفت كل هؤلاء.

اما الجانب الأبرز في القضية هو الفضول، الإنسان يحب أن يعرف، أن يعرف عما يخصه وما لا يخصه، والفضيحة تبدو مادة مثيرة للانتباه، لمدى الأثر الذي تسببه تلك الفضيحة، لأنها تؤثر على الشخص ومن حوله، وتغير حياته أحيانا بشكل تام، وهذا يخرجنا من الأحداث الروتينية إلى حدث مُغرٍ، وهذا الفضول نفسه يدفع الناس للتلصص والنظر عبر نوافذ الآخرين.

الفضيحة تساعدنا أحيانا في تفادي الافتضاحات، والتفكير في كيفية التعاطي مع الفضيحة في حال كنا مكانه، وما يدور في عقل المتلقي للفضيحة عدى تمنيه ألا يكون مكانه، هو التحليلات والتخمينات والمخارج التي يبحث عنها لينأى بنفسه عن ما قد يحدث الفضيحة، أو يهذب تصرفاته بحيث يتخلص من مسبباتها. الفضيحة تبدو ورغم خطورتها، موضوعًا مثيرًا يصلح للدردشة، مهمًا يصلح للنقاش، مسليًا أحيانا، يصلح للضحك وإلقاء النكت.

دعنا لا نكن مثاليين بعض الشيء، ولنكن أناسي، لست بالضرورة شخصًا سيئًا حين تبحث أو تصغي باهتمام إلى فضيحة، أو تناقشها، كل ما في الأمر أنك إنسان، ربما كل ما في الأمر أنك تود أن تعرف، وإن لم تكن مهتمًا بالفضيحة، ولم تبحث أبدًا عنها، أبدًا أبدًا…. اقترب لحظة، انظر في عيني، آه صدّقتك الآن، يبدو أننا بحاجة لنسخ عديدة منك، أو ربما ببساطة، نحن بحاجة لأن نتعلم كيف نتعاطى مع الفضيحة، ألّا نحولها لموضوع نقاش، ألا نشارك ما يصلنا مع الآخرين، فقد نكون يومًا ما بين زوايا المستطيل الذي يسمى بالهاتف، يتبادلنا الناس، ينظرون إلى سروالنا الذي تمزق، ورسائلنا الغرامية التي تسربت، وصورنا المضحكة التي نحتفظ بها دون أن ندري لمّ نفعل ذلك، حينها سنتمنى حقًا، لو كان العالم كله فاضلًا مثلك، لا يشارك فضائحك، لا يحولها لنكتة، لا يلوح بها لك، كلما وقفت على المسرح لتقول شيئًا مفيدًا للآخرين، ليذكرك بأنك ملطخ بالخطيئة التي لا يمكن للزمن أن يغسلها، وحينها فقط، قد تتمنى لو أن الأرض انشقت، أو السماء انفطرت، أو أنك كنت نسيا منسيا. وتذكر فقط، أن حرفًا واحدًا يصنع الفرق بين الفضيلة والفضيحة، حاول أن تتجنبه قدر الإمكان، وستجد حرف الحاء يطاردك في عين حاقد وحاسد، فتجنب أن تكون أحدهما.

غرق

26198291_10155822254305446_4678631683942533452_o

 

ظننت أن قرار انتحاري للهرب من حياتي كان قرارا جيدا بما يكفي. كنت اخطو إلى الداخل نحو الشمس لنغرق سويا، جمال الغروب جعل أضفى على رغبتي كثير من النعومة والجاذبية. كنت انظر من خلف كتفي أثناء سيري البطيء، كان كل شيء يصغر رويدًا رويدا، الناس والشجر والصخر والأرض التي تبدو أقل استقرارا من دواخلي. كم يبدو العالم أكثر أمانا من بعيد. حين وصلت للبقعة الداكنة من هذا البحر الهادئ، اندفعت وحررت جسدي مستقيما، كانت أول ثوان لي هي أفضل اللحظات التي عشتها منذ ولادتي، كل الضجيج الذي بداخلي صمت فجأة حين صرت تحت الماء، اسمع صوت حركة الماء من حولي، واشعر بجسدي يهبط متحررا من كل ثقل، راودني شعور أعادني طفلة إلى رحمي الأول، و أعاد الصوت الحياة إلي رويدا رويدا، رغم أنني هاربة إلى الموت. استحضر وقبل أن أفرغ الهواء الذي بداخلي كل حالات الفشل التي عشتها كل اللصوص الذين سرقوا مني طفولتي ومراهقتي ولم يشبعوا حتى طاردوا شبابي، وأخشى أن يفعلوا ذلك حتى هرمي، ولو كان بيدهم لفعلوا ذلك حتى في قبري.

كان شريط حياتي يمر أمامي ببطيء الغرق الذي امارسه، كنت أود لو تنقضي هذه اللحظة أسرع مما ينبغي، من سيبالي بموت عورة، الكل سيشعر بالراحة، فهم لا يمارسون طغيانهم عليها لخوفهم عليها، بل لخوفهم منها، هم يخافون أن تمارس الحياة كما تحلو لها، تتخذ قراراتها، تصنع ذاتها، تجلب لهم العار والفضيحة، هذه هي مخاوفهم وهلاوسهم، هم يريدوننا فتيانًا حتى ما إذا مارس الحياة كما تحلو له قالوا “هو ولد شايل عيبه” أما نحن فالعيب هو من يحملنا كما يبدو، منذ النطفة الأولى وحتى اللفظة الأخيرة. لو كان خوفهم علينا هو وقودهم، لما كنا نحيا حياة المعتقلات المقتولات. لا أدري ماذا كان سيصنع والدي لو علم أنني أحب ابن جارتنا، وأنني أحلم كل يوم بأنه يقبلني كما في قصة الأميرة النائمة، أو أنني حاولت الخروج وحدي عدة مرات لأسير قليلا في متنزه المدينة لأنني سئمت البقاء بين حيطان البيت التي لا تجيد سوى فضح وحدتنا. لا أدري ماذا سيفعل أهلي لو رفضت الزواج من ابن عمي الذي يفصل بيننا عمر وكأنه قرن.

لن استطيع أن احصي عدد المرات التي كنت اضطر أن افرق بين ساقيَّ حتى تتأكد جدتي من أنني لا زلت فتاة، وأن جارتنا اللعينة التي اتهمتني بما يسمونه شرفي كانت تكذب كعادتها. لن احصي كم مرة نهرتني أمي لأنني وضعت عطرًا، أو ظهرت شعرة متمردة من تحت حجابي دون علمي قبل أن ابلغ الخامسة عشر من عمري. أو حين ظهر ساعدي عندما رفعت يدي لأنزل شيئًا من رفوف الدكاكين. لكن يمكنني أن أحصي كم عدد العباءات الملونة أو المطرزة التي اشترتها لي أمي… نعم صفر، كانت كل عباءاتي عبارة عن قطعة قماش سوداء فقط، لا أدري هل يمكننا أن نرتدي على الأقل لونا أقل تشاؤما منه، أم مكتوب علينا أن نرتديه فقط في قبورنا!

وحين ظننت أنني افر من كل هؤلاء إلى زواج يأخذني بعيدا عن هذا النحس الذي لازمني وتلك المعارك التي خاضتها روحي التائهة داخل هذا الجسد المضرج بالجروح والندب والكدمات، وجدتني احيا بذات الحظيرة، من أسرة تعاملني كحيوان إلى زوج لا يقل عنهم صفة من الحيوانية، خرجت من معتقل سياسي إلى معتقل انفرادي، حيث القانون والأعراف تمنحه حق التسلط والتنمر والحبس والحرمان، كنت افكر كثيرا بهذا المهرب، ولكن كنت أتردد مرارا وتكرارا، حتى ادركتني مشاعر أمومة طائشة همست لي أنه وربما يكون ملاذي الأخير هو صوت بكاءه، وضحكاته التي لا يفهمها بعد، فقررت أن أحمل وانجب طفلا أو طفلة، يملؤون علي مماتي ويعيدونني إلى الحياة.

حبلت ذات ليلة مظلمة كان يتصنع هو فيها الحنان والاهتمام والرعاية، أظن أن كل ما كان يبحث عنه هو أن ينادى أبو فلان، لم يكن يفكر أن حملي سيجلب له أخرى تشبهني، يحاول تقييدها كما فعل معي، البسي، كلي، لا تخرجي، سأضربك إن لم تستمعي لي، ويعيد نسخ تجاربي من جديد في قالب يشبهني بل هو قطعة مني، وكأنني أورث مأساتي وعذاباتي. كان وجهه ممتعضا وكان يحاول أن يرغم شفتيه ع الانفراج بشكل مزيف، وما أن سمعت صوت انغلاق باب البيت بعد أربعة أيام عشتها في حضرة ملائكة الرحمة بلا أبواب، دلف إلى غرفته من حيث لم يغادرها، وحملت ع عاتقي مسؤولية طفلان، هو أحدهما، اطبخ واكنس واسهر وارضع، بالكاد أجد وقتا للراحة، كان فقط يتنكر بزي الأبوة حين يمر بنا ضيوف كرام، ثم يمسح تنكره ما أن يخرخش الباب.

بدأ جسمي يقاوم الفكرة، ويحاول أن ينتزع مني فمي ليسحب نفسًا، وبعد مقاومة لم تطل، حررت فمي له، بل وكل جسدي، بدأت انازع الموت، وعقلي يعبث بكل أطرافي، شعرت برعب كبير، ما الذي ينتظرني في الضفة الأخرى، مر شريط آخر بحياتي، كانت بدايته دنيا، ابنتي، ولم تكن له نهاية، تذكرتها وكأنني التقيت ذاكرتي للتو، كان لليأس سطوة أكبر من أن يجعلني اذكر أو أرى أو حتى أفكر، تلك اللحظة الوحيدة في حياتي كلها التي تمنيت فيها حقًا أن أعيش، قاومت بكل قوة ونازعت بكل ما بقي من روحي المغادرة، رأيت ضوء أبيضًا، علمت بأنني سلمت نفسي، لم اعتقد يومًا أن الموت مخيف هكذا، الموت بحد ذاته ليس مشكلة، لكن السؤال الذي لا يجد الإنسان إجابة شافية له هو: أين سيذهب بعد الموت، فالعدم شيء مربك، رغم أننا جئنا منه، لا نستطيع أن نتصور الأبدية، ويستحيل علينا فهم العدم، ماذا بعد الموت، هل ينتظرنا حساب وعقاب، هل ينتظرنا بعث جديد، هل سيفتقدنا أحد، هل سيرثينا أحد، كيف سيحيا من نحب، وكل ما فكرت فيه في تلك اللحظة أمنية واحدة، أن أرجع، لأنني كنت أنانية بملاحقتي للموت ظنا منه أنه نهاية لمأساتي وحل لمشاكلي.

سمعت أصواتا كثيرة، بعضها يردد غطوها غطوها، وأخرى هل تتنفس؟ لم اشعر بأطرافي، ولكنني شعرت برغبة ملحة بأن اسعل، وبعدما فعلت، افقت ووجدتني ممدة عند الشاطيء، والنسوة من أهلي يحيطون بي، ينتظرون عودة زوجي ليذهب بي إلى المستشفى، بينما دنيا تبكي عند رأسي. مددت يدي نحوها واحتضنتها بما ملكت من قوة، وهمست لها: دنيتي، أنا اعتذر منك، كنت أنانية في قراري، سأفعل كل شيء، سأحارب كل شخص حتى لا تقاسي ما قاسيته، ستكونين حرة في مملكتي، سأكون قوية من أجلك، ومن أجل جيل يأتي من بعدك تخرجينه من سجوننا المقيتة، وتفكين أغلاله، دنيتي، كنت جبانة، وظننت أن الحل في الموت، ولكنني كما يبدو الحل في الحياة، ربما لن تفهمي كلامي الآن، ولكن ستتذكرينه يوما ما.

وهذا ما قالته لي أمي، أمي التي تعلمت منها الكثير، وبسببها ها أنا اليوم أقف أمامكم لألقي هذه الكلمة: قالت دنيا لجمهور الطلبة والآباء في حفل التخرج بشهادة الدكتوراة.

دعيني أخبرك بسر!

26060318_10155809463350446_4788323466595308592_o

كنت أشاهد أحد الأنمي المفضلين لدي، أكاديمية الأبطال، وفي أحد المشاهد المحورية والمؤثرة، همست عيني ببعض الدمع في نفس اللحظة التي دخلت فيها زوجتي الغرفة، حاولت إخفاء الدمع ولكن دون جدوى، ما كان من زوجتي إلا أن أتت من خلفي وأخذت تمسح دموعي وهي تبتسم وتقول “علمت من الخلفية الموسيقية أنك ستبكي هنا”، ابتسمت وقلت لها اجلسي هنا دعيني أخبرك بسر.

كان ذلك السر هو نظرتي الشخصية وراء الأسباب التي تدفعنا للبكاء أو التأثر بشدة لمشهد ما.

في مشاهد الأفلام والمسلسلات وحتى القصص التي نقرؤها قد نتأثر، نحزن، أو في حالات التعلق العظمى نبكي، نبكي لأن المشهد حزين، والموسيقى مهيئة للحالة النفسية القادمة، ولأن النص يحكي بتفصيل يجعلنا ندهن لوحة المشهد الدرامي المحبوك بعناية، غالبا يبكي الناس عندما يتعلقون بشخصية، أما أولئك الموتى على هوامش النص أو المشهد فلا تربطنا به علاقة وطيدة حتى يتسنى لنا أن نعيش اللحظة، بل وجهاز التحكم بمشاعرنا موجودة لدى المؤلف أو المخرج، يسلط الضوء على الشخصيات التي تساهم في ذلك الرابط الخفي الذي نكونه مع الشخصيات الوهمية التي تؤدي الدور.

غالبا يظن الناس أن تأثرهم بسبب حزن المشهد، ولكن هذا فهم عام وسطحي بعض الشيء، فليست كل المشاهد الحزينة مستفزة للدموع، ربما التعاطف غالبًا، ولكن الدموع لا تنهمر بسهولة في تلك المشاهد، وما يجعلنا حقًا نبكي عدة أمور نسردها منفردة.

مجمل حالات تعاطفنا وتأثرنا يكون مع شخصيات محورية جاهد الكاتب في ربطنا بحياته وتفاصيله حتى أصبح بيننا وبينه علاقة حميمة وكأنه صديق أو فرد من أسرة أو حتى حبيب سري. وأي شيء يصيب تلك الشخصية يستحث بكائنا ودموعنا وتعاطفنا. ودعنا نسميه، العلاقة العاطفية الوهمية مع الشخصية.

يأتي في المرتبة الثانية، استعدادنا العاطفي للتأثر بالمشهد، فقد نكون بحاجة للتعبير عن أحزاننا ولكننا نفشل بجدارة في اخراج تلك الكومة الكبيرة من المشاعر، فنحن معتادين على الكتمان والتجاهل وعدم إعطاء الحزن حقه وكفايته في حياتنا، وحين يمر من بين أطراف رموشنا مشهد حزين، فإننا نخرج ما نظنه تأثر بالمشهد، وكل ما في الأمر أننا نخرج تلك الأحزان التي لم نمارس البكاء معها.

في عصر التكنلوجيا والسرعة والمال، تضيع مشاعرنا بين حزمة العلاقات المادية وعلاقات المصلحة حتى بين أفراد العائلات والأسر، مما يفقدنا كثير من المشاعر الإنسانية، والمحبة والمودة والحنان وكذلك الشاعرية، تلك المشاعر المكبوتة والمحبوسة في زنزانة الجفاف العاطفي تبحث عن مستقرها ومستودعها، والذي غالبا لا تجده، فيجد المرء نفسه تائها روحيا، لا يدري ماذا يفعل حتى يفرغ تلك الكمية من المشاعر، أو كيف يمارسها، ولا يتأتى له إلا عبر الشاشة أن يعيش تلك المشاعر لتستفز وعيه واللاوعي بداخله، فتجده يبكي ويحزن ويحب ويصرخ ويشجع ويتعاطف مع المشاهد والشخصيات والمواقف، فممارسة المشاعر الوهمية أفضل طريقة لحياة نفسية مستقرة، في عالم المصالح والمادة.

وأخيرا وليس آخرًا، وهو أهم نقطة لا يشعر بها الناس، وهي الرابط الواقعي بين المشهد وحياتنا الشخصية، من حالات الخذلان والخيانة، لحظات الإحباط والحاجة، ومشاهد الحياة التي تشبهنا إلى حد ما. نحن نبكي حين يكون المشهد مرآة لحالاتنا الشخصية، وتراكماتنا النفسية العميقة، وشعورنا بأن هنالك أمل قابع في ركن ما، شعورنا بأننا لسنا وحدنا من يعاني، لسنا وحدنا من يحمل وجعًا، لسنا وحدنا من يحمل جرحا أو ندبة عميقة، ولأن هذه المشاهد تقتحم العمق في عقلنا اللاوعي أكثر من عقلنا الواعي، فإننا نبكي أحيانا دون أن ندري أننا وفي العمق نبكي على أنفسنا التي نراها متمثلة في فلم سينمائي، مشهد أنمي، أو حتى رواية.

لذا حين تجد أحدهم يبكي على مشهد، لا تسخر من مشاعره، فأنت لا تعلم حقًا ما يوجد في العمق، ولكنك تعلم الآن أن في العمق ربما توجد شخصية هشة، أضعفتها الحياة، ولم تجد متسعًا سوى تلك الشاشة لتفرغ فيها تلك الحجارة عبر محجريها. وأننا حقًا بحاجة لأن نتذكر دائمًا أننا كنا ولا زلنا بشرًا ولسنا مجموعة حجارة.

المنبه الذي لا يرن

22491486_10155623227045446_2779728727379722435_n

إنها الثانية عشر منتصف الليل، يحصل يوسف على وجبة العشاء، وهي عبارة عن زجاجة حليب، يتهجى النوم على وسادته الصغيرة حتى ينام، يحاول الثرثرة، وكل ما يخرج من فمه هي محض أصوات يحاول تلحينها حتى ينام.

لأكسب بعض الوقت اتناول زجاجات الرضاعة لأغسلها، صدقني لن ترغب في غسل زجاجة مخصصة لتقليل الغازات، ففيها الكثير من القطع التي عليك أن تدخل فيها أنواع مختلفة من فرش التنظيف. عيني تراقب الساعة حتى لا تفر بالوقت، ادس الزجاجات والقطع في جهاز التعقيم، اضع الماء في الغلاية، اجهز سريري واتمدد.

اتذكر أنه يتعين على ضبط المنبه على الوقت المحدد، اضغط على زر التشغيل، وأكاد اقسم أن الجهاز اللعين يسخر مني حين يظهر لي ما تبقى من وقت ليرن المنبه، ساعتان وأربعون دقيقة، إن الوقت لا يجامل أحدا. ارفع كفي إلى السماء وادعو أن ينام هو بشكل جيد حتى يتسنى لي أن أنام بشكل أقل من جيد.

استيقظ مفزوعًا، اطل عليه، إنه نائم، هو فقط يصدر اصواتًا، اضع يدي قرب انفه، إنه يتنفس الحمد لله، اعاود النوم، وبعد ساعة اسمع صياحا متقطع، ارفع يدي من تحت الغطاء متمنيا أنه لم يستيقظ بعد وأن هذه اضغاث أحلامه الصغيرة. يتحول الصياح المتقطع إلى بكاء متصل، انهض مثقلا بسهر الأيام الماضية، أمضي نحو المصباح وأصنع به عكس ما اصنعه بجهاز التكييف.

اخرج الزجاجة وبالملقط احشر القطع في بعضها، اغلي الماء، احضر الثلج، ابرد بعض الماء الجاري وأضعه في كأس أحشر فيها الحليب ليبرد، الصياح يتعالى، اهرع لأحمله حتى يسكت، اتناول الحليب بعد ان فتر، احمله واضمه إلى صدري، وأرضعه من الزجاجة، بينما يتردد على نظري ضباب النعاس.

الممرضة قالت: دعه يتجشأ حتى لا يتقيأ، هكذا انظر. عملية صعبة، ضمه إلى صدرك ورأسه على مستوى كتفك، ربت على ظهره، واقسم بالله أن التربيت ليس جزء من العملية، ولكنني تعودت على ذلك لأوهم نفسي أنها أسرع طريقة لجعله يتجشأ، الوقت يمضي بسرعة خيالية، وبعد أن يفرغ من زجاجته، اضعه في مهده واقوم بتغطيته ثم اجلس لادردش معه، لا يبدو أنه يريد النوم ما الخطب يا ترى. انظر إلى الساعة، إنها الثالثة والنصف صباحا!

حبيبي متى ننام، أنا متعب جدًا، أتذكر شيئًا، علي تغيير الحفاظ، وقبل أن افكها، ارفع كلتا كفي إلى السماء، ثم أهمس له وأقول لا تقل لي أنك فعلتها ! هذا ليس الوقت المناسب لأسوأ مهمة، لست مستعدا لذلك يا حبيبي، وللأسف، يبتسم هو معلنا أنني في ورطة. انظفه واضطر لاعداد كمية صغيرة من الحليب حتى ينام بها.

اضبط المنبه كل ثلاث ساعات كما قالت الطبيبة، إنها عملية شاقة جدًا، بالكاد يمكنك أن تقضي منها ساعتين، لأن الساعة الأولى تنقضي في غسل الزجاجات وتعقيمها، وفي استيقاظه قبل منبهك بالطبع، ينقضي المساء وبالكاد حصلت على ثلاث إلى أربع ساعات من النوم المتقطع، كأنك تحمل شطيرة، تتناول منها قضمة كل ساعة، فلا أنت شبعت، ولا أنت استمتعت، وتبقى أمام خيار واحد، أن تقرر النهوض والاستحمام لتطرد النوم متمنيا أن يكون نوم الغد أفضلا حالا من اليوم.

وينقضي النهار بنفس الوتيرة، ولكن استبدل النوم بقضية أخرى، الكتابة، القراءة، مشاهدة التلفاز أو حتى النوم… الخ

آه نسيت أن أخبركم، زوجتي سافرت لتقدم امتحانات نهاية السنة، وأنا الآن في نهاية الأسبوع الثانية منذ استلامي العهدة الكاملة لرعاية ابني يوسف، الآن فقط فهمت معنى الأم الحقيقي، معنى أن تسهر أمك وأنت نائم، معنى أن تتعب وأنت مرتاح، معنى أن تقلق وأنت مطمئن.

الآن فقط فهمت لماذا لا يستطيع أغلب النساء أن يعتنين بأنفسهن، لماذا لا يملكن الوقت للقيام بمهام أخرى سوى الرعاية، لماذا مزاجهن متعكر، لماذا أجسادهن منهكة، أنا انقطعت عن الكتابة والقراءة والخروج من البيت، فلا يمكنك أن تنظم وقت الأطفال، فالأطفال كائنات عشوائية، لهذا لا تظن أن بإمكانك تنظيم وقتك، فهم وقتك ومنبهك الوحيد.

اعتذر لجميع المتابعين عن الانقطاع، ولكن حقا قلة النوم مأزق كبير، ودور الأم أعظم من أن يتقمصه رجل.

هنا وصلة لمقال اشكالية النوم، مرتبط جزئيا بهذا المقال

https://altaye6.com/2017/10/06/sleepingprob/

لماذا تفشل علاقاتنا

22550472_10155615138395446_4375303614313961386_o

العلاقات والمعارف هي هدف الإنسان الدائم في الحياة، فهو كائن مفطور على المشاركة والتفاعل والحب، ومن دون الآخر الإنسان لا يمكنه أن يعيش، وسيبحث بطبيعة الحال عن شبيه له، حتى لو كان ذلك الشبيه شيء مختلق من خياله. استحضر في هذه اللحظة الكرة التي كان يصادقها بطل فلم castaway والتي أسماها بويلسون. تلك الكرة التي كان يدردش معها ويشكو لها ويصطحبها أينما ذهب وارتحل ويحاول استشارتها وحتى اطعامها، رغم عدم تجاوبها معه واستحالة ذلك -إلا في عقله طبعا-. وذلك حتى لا يصبح مجنونا لاتساع بقعة الوحدة التي يعاني منها بطل الفلم.

الذكاء الاجتماعي مصطلح جديد يصف مدى قدرة الشخص على التعاطي، التنقل والتفاوض في العلاقات الاجتماعية المعقدة والبيئات المختلفة بفاعلية، لكن كون الشخص ذكي اجتماعيا، لا يخوله ولا يمنحه القدرة المطلقة للمحافظة على العلاقات، إنما على فتح وتكوين علاقات جديدة بالأصح؛ فلماذا ومهما بلغنا من مهارات اجتماعية، نخسر علاقات كثيرة كلما مضينا قدمًا بأعمارنا؟ الإجابة الأقصر! لأن حالاتنا البشرية متغيرة ومتقلبة سواء من جهتنا نحن أم من جهة الآخر الذي نحاول التمسك به.

في كل مرة تقابل أحدًا ما، لن تكون حاملا ذات الأفكار والهموم أو حتى المشاعر، وهذا ما يجعلنا أو الآخر نرسم الكثير من الخيالات حول سبب تغير هذا الشخص، ربما غاضب مني، ربما لم يعد يحبني، ربما ازعجته، ونبدأ بوضع كلماته وجمله وحتى تنهيداته على طاولة التحقيق، نحاول أن نفكك كل جملة، وأن نحلل كل عبارة، ما يضعنا في موقف دفاعي جدًا يؤهلنا لتعكير صفو اللقاء، وقد نحمل تلك الأفكار معنا إلى البيت حتى السنة القادمة من التفكير، وقد يستحيل الأمر في أفضل الحالات إلى سوء ظن وتسرع في إطلاق الأحكام

ولا نكتفي بهذه الجريمة وحدها، بل حتى لا نبادر في مصارحة الآخر “ربما” حول المشكلة أو الأفكار التي تجول في رؤوسنا عمومًا، وهذا يترك فجوة كبيرة بين طرفي القضية، فالمصارحة مهمة، ولكن يجب أن يتم الباسها ثوب الهدوء والمودة.

الصدق فضيلة، ولكنه في العلاقات ليس كذلك دائمًا، فغالبا الصدق ليس بمنجاة فيها، بل أحد أكبر مدمريها. ولأننا لا نجيد أخبار كذبة محكمة، نفقد ثقة الآخر، وأحيانا ليس لأننا لا نخبر كذبة جيدة، بل لأننا ننسى الأكاذيب التي رتلناها، وبعد مدة طويلة يُفتضح أمرنا، فحبل الكذب أقصر من المسافة بين ألسنتنا وأسماعهم، لسنا بحاجة لأن نكون “كَذَبَة” إنما الأمر متوقف على الوضع الراهن والذي يحتم علينا أن نكذب، فقد يكون الكذب هو حبل النجاة الأخير الذي يجعل العلاقة متماسكة أكثر. قد يعترض البعض على هذه الفكرة ولكنني مؤمن أن العلاقات لا تنجو إلا بمس من كذب.

لا عيب أن نتمسك بعاداتنا وألا نخرج من قوالبنا، لكننا نبالغ أحيانا في ذلك، للدرجة التي نجعل من حولنا رهن تلك العادات والتصرفات، كأن نشترط شرب الماء في كوب زجاجي أزرق، أو نضع الجميع تحت رحمة التكييف الذي تشير لوحته للرقم 16 درجة مئوية! يمكنك بكل بساطة أن تجد أرضية مشتركة لكل شيء، فلست وحدك في تلك الغرفة، وليست المطابخ مجمعا تجاريا لتناسب ذوق شربك، فاوض في التكييف، واقبل ما يقدم لك، وراقب عاداتك وتذكر أن تجعلها في حدودٍ لا تضايق أحدًا منك أو من نفسه.

وكونك قد تنازلت لا يعني بالضرورة أن يشعرك ذلك بأنك أكثر من قدم التضحيات، فهذه هي علة العلاقات، أن جميع الأطراف تظن أنها قدمت ما لم يقدمه الآخر، أو قدمت أكبر التضحيات والتنازلات، وكأن الموضوع تحدٍ، وكأن القضية سباق، أنا فعلت وفعلت، نرددها وكأننا نتحسر على ما قدمناه، فنجعل الآخر يشعر بأن الأمر منّة وحتى نشعر أنفسنا بأن هذا هو أصل العلاقة، وأننا لم نقدم له من باب المودة أو الحب، إنما من باب التداين، قدم وسأرد لك، افعل وسأفعل لك، وهو ما اخرج العلاقات من سياق المودة إلى سياق أقرب ما يكون إلى المن منه إلى العتاب.

ولا نكف حتى نخوض غمار سباق آخر، فنحن وكأننا في مسابقة من سيخسر المليون، نستسهل التخلي عن علاقاتنا، لا نكلف أنفسنا إلا ما نظنه وسعها، فلو اجفل منا شخص أو غاب، فإننا نهمله ونتخلى عنه بسهولة. كنت أدردش مع أحد أقربائي قبل فترة طويلة عن الصداقات والعلاقات وكيف أنني استطعت الحفاظ على علاقاتي الأهم بكل السبل الممكنة، فحدثني عن صديق مقرب له، وكيف أنه وعده وبعد طول غياب بزيارته حين عاد من السفر، صديقه الذي بكى فراقه، لم يكن حاضرًا ابدًا في عدة زيارات خاطفة له. فقلت له: افعل ما ينبغي، اطمئن عليه، فلربما هنالك ما يضايقه في حياته الخاصة، وحين بادر قريبي بالتصرف، ما كان من صديقه إلا أن فتح قلبه وأخبره أنه يمر بظروف لا تطاق وأنه سيلتقيه ليفضفض له. نحن لا نعذر الناس، ولا نفترض حسن النوايا في الغياب، ونصغي دائمًا لأولئك الذين يرددون “ارحل عمن انشغل عنك” “لا تطارد من يتخلى عنك”، دون أن نضع كل شيء تحت المجهر، لنرى ما الذي يحدث، وكل ما نفعله أننا نبادر بالرحيل، فذلك يشعرنا بالرضى المؤقت والحسرة الطويلة، نرحل لأننا ببساطة نكتفي بسبب واحد للفراق، بينما لا يكفينا ألف سبب لنستعيد صديقا.

وآخر إشكالية وأهمها، أننا تحولنا لكائنات مادية، يهمها ما ستحصل عليه من الآخر أكثر مما عليها تقديمه، نهمل التفاصيل الصغيرة، كالاهتمام، والتقدير والحب والامتنان والشكر والمشاعر التي يكنها الآخرين، ننسى المساعدة و”الفزعة” حين يفشل الآخر في تلبية رغائبنا المادية، نتيه في دائرة “العشم” ورفع الآمال والتوقعات؛ فالأقرباء أو الآباء أو حتى الأصدقاء تجد بعضهم ينتظر من الآخر أن يقدم له شيئا ما مقابل صداقته، مقابل أبوته، مقابل قرابته، وكأن أساس العلاقات هو توزيع الماديات والأموال، ومن لا يقدم أو لايدفع مقابل العلاقة فهو غير مخلص لها. والمشكل يحصل لو كان لديهم قريب ثري، أو ربح اليانصيب، أو حظى على منصب رفيع، فالكل يأمل أن ينال حظا من ذلك الثراء أو تلك الجائزة أو هذا المنصب، كأن يهبهم سيارة، عقدا من الذهب، مبلغا مجزيا من المال، هم لا يطلبونه، هم يشعرون أن ع الآخر دائما المبادرة والنظر بعين العطاء تجاههم، الطرف الآخر لا ينظر للمعادلة دائما بنفس الشكل، لذلك يخسر الناس دون أن يدري ما المشكل، قد لا يراهم هو محتاجين له أو لثروته جائزته أو منصبه، فهذا ما يعكسونه في أحاديثهم، أما مكنوناتهم الشاعرة بالخذلان، فتحمل الكثير من الحزن والغضب والكراهية، التي تنخر جدار المودة حتى ينهار ويفصل بينهما. وأعتقد بأن من يربح اليانصيب سيخسر الجائزة وكذلك الناس.

هذه أهم الأسباب التي تفشل بسببها علاقاتنا وتفسد غالبا مودتنا، متى بدأنا في التخلص منها تباعا، عشنا مرتاحين مطمئنين متفائلين بعلاقات عظيمة نحكيها ونربيها في أبنائنا وأحفادنا. وتذكر أن العلاقات الاجتماعية تحتاج لصيانة مستمرة، وحسن ظن كبير، وتواصل ووضوح متصل.

انتهى المقال. بالأسفل قصة مرتبطة بالمقال لمن أراد أن يكمل المشوار.

 

 

حين كنت في الصف الخامس الابتدائي، اختصمت وصديق لي لا اذكر سبب الخلاف، امتنعت عن مرافقته للمدرسة، والجلوس معه في الفسحة ومشاغبته من خلال النافذة أثناء الحصة، وكل شيء تقريبا يصنعه الأصدقاء. بينما كان هو يلاحقني في الطريق، وينتظرني عند باب الفصل قبل الفسحة، وكل هذا وأنا متعصب للخصام متمسك به، وحين لم يجد مخرجًا، لم يرضى أن يعود بخفي حنين، بل عاد بأمه وطرق باب بيتنا، صدمت لرؤيته مع أمه، وهي تشكو خلافنا: يا أم طارق، لماذا يختصم أحمد وسلمان، سلمان يود الاعتذار ولكن أحمد لا يريد، أريدهما أصدقاء، ولا أريد لهما أن يختصما. كنت متجهما اطل من خلف أمي بغضب، حينها نادتني وقالت، هيا تصافحا وتصالحا أنتما صديقان جيدان. وحينها كما يقال “طاح الحطب” وعدنا صديقين حميمين جدا. هذه القصة لفتتني لأمر جعلني لا أنساها، وهو أن هذا الصديق فعل كل شيء، كل شيء للتمسك بالعلاقة وعدم خسارتها، رغم عنادي وتعصبي وحنقي، لم يستسلم، لم يستسهل خسارة صديق، لم يتردد في أن يحرج نفسه بجلب والدته للقيام بصلح الابتدائية. هكذا فقط يجب أن تحفظ العلاقات، بنفس البراءة، فالعلاقات أعظم قيمة من أن نبعثرها ونتهاون في افشالها.

 

إشكالية النوم !

20799080_10155428005025446_2437439476368240886_n

نذهب للنوم في المساء كجزء من قائمة مهامنا اليومية، أو كمهرب منها، وفي أسوأ حالاتنا هو مهمتنا الوحيدة التي تبدو ذات معنى. نلجأ للنوم أحيانا كوسيلة للهرب من أحلامنا التي لم تتحقق، من مصائبنا التي لا تنتهي، من مآسينا، من حالات جوعنا، أو وحدتنا المقيتة، ونلجأ إليه أحيانا كمخبأ من حزننا الذي لا يكف عن مطاردتنا حتى ونحن مختبئين تحت الغطاء، الحزن ليس كالأشباح، تختفي ما أن نلتحف أسرتنا أو نغمض أعيننا، الحزن يحتاج لحالة من الإغماء حتى يرحل بشكل مؤقت.

نستطيع أن نعتبر النوم زر إعادة التشغيل لأجسادنا، فهو يعيد لنا نشاطنا، يمحو ذاكرتنا المؤقتة، ويلوذ بنا من ألم الانتظار الطويل، ويسقط عن كاهلنا ذاكرة الحزن والفقد، ويبدد عنا الشعور بالوحدة لو كان استيقاظنا صباحا؛ فالوحدة تخشى النور، وتهاب الضجيج وأبواق السيارات وأصوات الجيران وأبواب العمارات. النوم يساعدنا في إيجاد حلول لمشاكلنا، وأفكار جيدة تصلح لمشاريع عملاقة، بل ويمكنه أن يدربنا على ردود أفعال قد تنقذ حياتنا، ويطور مهاراتنا. لذا ننام ونحن آملين بأن أحلامنا ستحمل لنا بشارات وأن شمس الغد تحمل أجمل مما حمل قمر المساء الحزين.

النوم لذيذ جدًا، طعمه ألذ من القهوة، ورائحته تفوح بالراحة والسكينة، وملمسه نختاره بأنفسنا بعناية فائقة، نلقي بكاهل اليوم على أطرافه الأربع، ونمدد جسدنا – إن لم يشاطرنا السرير أحد – بكل الاتجاهات التي نريد والتي لا نريد، نبحث بلهفة عن تلك البقعة الباردة منه قبل أن تبدد حرارة أجسادنا لذة الغرق في تلك البقع. نتقلب ونتموضع مرارا وتكرارا في بعض الليالي بحثا عن النوم في تفاصيل الوسادة، أو في بياض السقف.

نأخذ النوم على أنه جزء بيولوجي من حياتنا، ولا ندرك كم يقتحم تفاصيلنا وأمزجتنا وحياتنا الاجتماعية ويؤثر حتى على علاقاتنا، وربما لا ننتبه لكم الخلافات التي يتسبب بها النوم، وليس النوم تحديدًا، ولكن عدم اخذنا كفايتنا منه، ورضانا عنه، وراحتنا بعده. دعنا نغوص في تفاصيل يومٍ واحدٍ من قِلة النوم، لنرى كيف يفسد علينا نفسياتنا وتفاصيلنا.

تستيقظ في اليوم التالي بالكاد تود أن تفارق السرير، سواء قضيت الساعات المناسبة للنوم، أم انقصت منها أم زدت عليها ورتلت الأحلام ترتيلا. يوقظنا عمل، أم يوم دراسي أو حتى حاجة في نفس الإنسان يقضيها. تأخذ حماما، وتهم بالذهاب إلى العمل، منهك من قلة النوم، تسير في الطريق تلعن من أعطى رخصة القيادة لسائق يختال في الشارع، ويشتمك أحدهم لأنك لم تنتبه له أثناء محاولته العبور، تصل إلى العمل، بالكاد تقوى على العمل، يصفعك المدير باجتماع مفاجئ، تبدو فيه كالسكارى، تنظر للساعة كل دقيقة؛ علّها استعجلت نفسها أو انسلت من بين عقاربها عشر دقائق دون أن تدري، ثم تفرك عينيك بحثا عن ملامح يقظة أمام الحاضرين، وكلما اقترب انتهاء الاجتماع، قفز زميل لك بسؤال أقعدك عشر دقائق أخرى، وأنت تتلوى من سكرات الاجهاد، تشتم السهر والحاضرين والسائق المختال، وتقسم بألا تكررها.

تعود إلى البيت مستاءً جدًا، وقبل أن تخلع ثيابك “حبيبي، احضر لنا بعض الخضروات، البارحة وعدتني بأنك ستحضرها في طريق عودتك” فتنهرها، أمك، أختك أو زوجتك، يوووه أنا متعب وأريد أن أنام. تدلف إلى الغرفة وتلقي بثيابك، فتدخل خلفك وتدخل في عراك طويل معك، تلعن فيه اليوم الذي تزوجتها فيه. تنهض أنت لتحضر حاجيات البيت لأنها لن تدعك تنام بسلام، قد تغلق التكييف، تفتح المصابيح بدعوى أنها تبحث عن شيء ما، فالأفضل أن ترفع الراية البيضاء مبكرًا.

ترجع فيتصل بك صديق نسيت موعدك معه، تحاول التهرب، ولكنه يضغط عليك، تعد لك هي الطعام، ثم تخرج، ولسوء حظك تضطر لأن تعود متأخرًا. تنظر إلى الساعة، آه يمكنني أن أنام مبكرًا، تضع رأسك، فتدخل عليك، وتحاول أن تقضي وقتًا معك، ولكنك ما تلبث أن تنظر للساعة متحججا بالذهاب إلى النوم، فأنت حقا متعب، تلقي عليك جملة تصفعك بها “لو كان صديقك، لنهضت وخرجت معه، أما أنا فهذا ما تصنعه بي” وتعجز أن تشرح كيف أنك لم تستطع التهرب. وتدخل في خصام لست بحاجته، تحاول النوم ولكنك لا زلت تفكر بأنك لا زلت مضطرا للاعتذار وأن ترضيها، تنظر إلى الساعة، إنها الواحدة، إنك على وشك تكرار مأساتك مرة أخرى.

هنا فقط نسرد مأزقا واحدا قد يصنعه النوم معك، إننا حقا نهمل ما يصنعه النوم بتفاصيلنا، قلته أو زيادته، لا أود الدخول في المشاكل الصحية التي يخلفها من سمنة وأمراض السكري، وتلف خلايا الدماغ، الإرهاق وكذلك الاضطراب. فبغيتي شرح أن قلة النوم تجعلنا ذوي مزاج سيء جدًا، تجعلنا أقل احتمالا للضغوطات، أقل رغبة في العمل، وأقل تركيزًا، تجعلنا عصبيين جدًا، لا نحتمل أي نقاش أو جدال أو حتى مجرد طلب أو سؤال، فكم من شجار احتدم بسبب أن أحدهم لم ينم جيدًا، وكم خلاف دب لأن أخا لم يستيقظ ليوصل أخته أو ليجلبها من المدرسة، أو زوجة لم تستيقظ لتجهز إفطار الأبناء فاضطر الزوج أن يعده متأخرًا بذلك عن عمله، مما تسبب له بمشكلة مع مسؤوله، فعاد على اثرها ليتشاجر مع السائقين والمارة وبواب العمارة وختمها بشجاره معها.

إن قلة النوم تفسد علاقاتنا بشكل كبير وواضح، وقد تجعلنا نشعر بالكآبة دون أن ندرك ذلك، نلجأ للقهوة والشاي والمنبهات لخداع أنفسنا بأن القضية لا تستحق، وأن قلة النوم ليس أمرا ذو أهمية، وبأن التفاصيل الكبرى هي التي جعلتنا نرتدي هذا الشعور البائس، كغلاء الأسعار، الأوضاع السياسية، والمشاريع المتعطلة، وليس حاجتنا الحقيقية للراحة. من يعتني بطفل جديد يدرك ذلك الشعور الذي يقتحمه ويقلب حياته رأسا على عقب، لذا ومهما بدى السهر فاتنا وساحرا، وأن النوم المبكر ليس سوى مضيعة للوقت، وأن العمل ليلا يحقق لنا الكثير، تذكر أن تجاهل ساعتك الداخلية اشبه بإقحام نفسك في زجاجة، وستصل لعنقها قريبًا حيث لن يحتمل جسدك ما تصنعه به، وسيتحتم عليك أن تحاول التعويض عما فاتك من نوم دون جدوى، لذا حاول أن تذهب للنوم باكرا وتأخذ  من النوم حاجتك وكفايتك، وإلا أنقلب النوم من ملجأ لك، إلى عدو يهوي بكل شيء فوق رأسك.

بدأ النعاس يتسلل من تحت السرير متشبثا بجفني، اجر الستار فيصدر صوت أشبه بتمزيق ورقة طويلة، اسحب غطائي، أضع اليوم تحت الوسادة والغد فوق المنبه، حان وقت النوم. تصبحون على خير.

هل نحتاج السيئين في حياتنا؟

20900569_10155444913285446_506067229128411497_o

هل نحن بحاجة لأولئك السيئين في حياتنا، أولئك العابسين المارين بملامحنا، موظف خدمات فض، ثرثار في وسط قاعة السينما يتحدث على الهاتف، شخص لا يعرف الأدب، يسرق دورك أمام صراف آلي أو يتجاوز موعدك في المستشفى، أو آخر يقطع طريقك بلا احترام لقوانين السياقة، أو جار يلقي بالأوساخ من نافذته، أولئك الذين يجعلون لحظاتنا مزعجة بعض الشيء، ويصيبوننا بجلطة مؤقتة، وغبطة طويلة، أولئك الذين يجيدون استفزازنا وسرقة أعمالنا، وتملق الآخرين من حولنا.

يمكنك أن تجيب عن السؤال اليومي ممن يحيط بك “كيف كان يومك” عبر مفردتي “لا بأس” خلال أيامك العادية، أيامك التي لا يحصل فيها شيئًا مميز والتي تعيد استنساخ رزنامة السنة الماضية فيها. تسليم تقرير، كتابة برقية، معالجة خلل في النظام، أو إرسال حاسبك الآلي إلى الفني. ولو كنت خارج العمل، فالأمر سيكون طويلا قليلًا، ك” الشارع كان مزدحما” “الصف كان طويلًا”، إجابات مقتضبة، ودردشة شبه منعدمة بينك وبين من يسألك، ربما اختك، ابنك، زوجتك أو أمك.

لا نجيد نحن البشر بسهولة ملئ الفراغ بالحديث مع من نشاهده كل يوم، كما أن اللحظات الجميلة ليست بتلك الغزارة حتى تتكرر في أيامنا، لذا فإن أفضل دردشة قد تكون تلك التي جعلتنا غاضبين، حزانى، أو حتى مستائين، فنحن غالبا نجيد التعبير عن المشاعر السلبية أكثر من إجادتنا التعبير عن تلك المشاعر الجيدة، نحن غالبا نكتفي بالابتسام طوال اليوم عندما نشعر بشيء مبهج، وقد نسرده لشخص أو اثنين، لأننا غالبا نخشى أن يحسد فرحنا أحدهم. أما بالجانب الآخر، فنعود عابسين، بحاجبين مقطبين، ننتظر أن يسألنا أي شخص حتى نفرغ الدلو الممتلئ بداخلنا. زميل، صديق، مسؤول، زوجة، أخت أو حتى عابر سبيل يشاركنا الغضب نفسه. انظر هذا الأحمق قد أخذ دورنا.. تأخرت شركة الصيانة الخاصة بالمصعد وها نحن نستخدم الدرج! هل لديك فكرة عن التعب الذي أعاني منه! وأشياء من هذا القبيل. صدقني، قد نكون صداقات بسهولة أثر شخص سيء مر بنا صدفة.

لا يكتفي السيئين بمساعدتنا في خلق صداقات جديدة أو أحاديث متواصلة، بل يساعدنا في تجديد مشاعرنا، فنحن ننتظر أن نشكو أحدهم لمن نحب، فتتصل بك خطيبتك لتشتكي زميلتها التي حدقت فيها بشيء من الاحتقار، أو تلك التي لم تبادلها التحية، هي تنتظر ذلك السيل من المشاعر الذي يخرج من فم اهتمامك، هي ستنتظر اللحظة التي ترتمي فيها في حضنك حتى تشكو لك وتشعر بكل محبتك واهتمامك.

يعود الأب مهموما، يلقي بثيابه ويرتمي في السرير، ينتظر أن تشعر زوجته بكل ذلك الاستياء الذي ارتمى معه في ذات البقعة، أو في الغداء يشكو سوء تعامل مديره معه، فيحيط به أبناؤه ليعلنوا كراهيتهم ولعناتهم على المدير وتعاطفهم مع والدهم، يبداءون في احتواء همه، في موافقة ردود فعله، أو حتى في محاولة إيجاد حلول للمشكلة، تلك اللحظة التي لا يتمناها أحدهم، تشعل بيتا كامل، فتصنع صومعة من الاهتمام المتبادل والمودة والتقارب.

الإنسان لا يستطيع أن يقر بتمكنه من شيء ما لم يمتحنه، لذا فإن السيئين وسيلة جيدة لنمتحن الكثير في حياتنا، أخلاقنا، ردود أفعالنا، صبرنا المزعوم، قدرتنا على التسامح، غفراننا المنقوص، وكذلك قدرتنا على أن نكبح كل الشياطين التي بداخلنا، حينها فقط يمكننا أن ندّعي أننا أفضل حالًا من ذلك الذي لم يتأدب مع نادل المطعم المسكين، أو ذلك الذي سرق الإشارة منا، أو تلك التي ألقت بفاتورتنا بإسلوب يشيء بالوقاحة.

ما نردده دائما أن وجود السيء في حياتنا يجعلنا نبدو أفضل حالًا، أو وجودهم كوجود الحزن لا بد أن يمر بنا حتى نستشعر الفرح، ولكن ليس ذلك مهما، بل الأهم هو أنه يجعلنا نعي كيف يشعر الآخرين لو أننا قمنا بذات التصرف ليجعلنا نحسن التصرف دائما معهم، حتى لا ندرج تحت قائمة شخص سيء، يجعلنا نتعلم كيف نكون جيدين كفاية مع من حولنا مهما كانت حالاتنا وظروفنا، يجعلنا نقدر حقا تصرفات النبلاء والكرماء والمحسنين، يجعلنا نفكر أكثر في عواقب كل شيء، وفي مآلات كل تصرف، وفي خلفية كل كيان، حتى نهذب الأجيال التي تحتنا. ويجعلنا ندرك أن الناس ليسوا سيئين، بل ربما يمرون بوقت عصيب، أو قد مروا به سابقًا، وأن السيء هي تصرفاتهم التي قد نهذبها نحن حين لا نكون جزءً منهم.

رحلة في هم

20767728_10155430925035446_7925284641787634284_n

همسة: تحذير لذوي القلوب الضعيفة، الرجاء تجاهل النص لسوداويته.

نمر بحالة لا تشبه شيئًا نعرفه بتاتًا،
طعم من الضيق،
رائحة من هم،
وكأس من شاي قاتم.
نتلوى من وجع لا يرى،
ونبكي من دمعٍ لا يسكب.
نشعر أن كل محاولة للتخفيف عنا
لن يتجاوز امتداد غيمة سرعان ما تزول
من قال أن الغيم جميل،
الغيم لا يحمل جسدًا يهوي
الغيم يحمل أحزان أهل الأرض
وحين يخيب أمل وصولها يهطلها
أخرى على رؤوس أرواحهم
وأرواح العابرين بأزقتهم صدفة
الغيم يغادر سريعًا ، وإن كان جمال الغيم في ظله،
فظله لا يطارده إلا أحمق أختنق معدمًا بهمومه
فاستحال روحًا تطارد جسدًا، آه قد نصبح
يومًا ذلك الأحمق !
نتعلق بدمعة نجرها لنصعد من جرف هاويتنا،
ولكنها لا تأبى الخروج
نحاول المضي قدمًا ولا نستطيع
وتستحيل أحزاننا إبرًا في أحذيتنا،
تجرح كل خطواتنا
يقتفي أثرنا همٌّ آخر يريد أن يدرك دوره
يلحق ذات القطار والآثار.
نغمض اعيننا وكأننا نبحث عن
شيء في ظلمتها، ربما مصدر الماء
أو نبعه
لأننا نظن أن الخلاص تحته
أو في جوفه، أو حتى نبحث
في اغماضتنا عن زهرة جلجامش
علّ الهموم تخلد في كيان آخر
لا ينتمي لأرواحنا.
نود أن نرتل طلاسمنا، هلوساتنا
هذياننا، جرات أقلامنا الخاطئة
التي نحاول أن نصوبها بأن نخربش فوقها.
ولأن جميع حواسنا حزمت حقائبها
تُتأتئ أعيننا جملة الهم، فتنحرف يمينًا وشمالًا
ثم تقف جامدة لا تنظر لشيء لتراه
فقط تأتأة وحرف ساكن لا تحركه إلا كسرة
في القلب تجره على طول الطريق المؤدية
إلى ذاكرته، فيبحث عن إبرة وخيط وأدواتِ
طبية موجودة في أدراجه وقوالبه
البحث في تلك الأدراج قد يكون مؤذيًا
فلا نعرف إن كان كل ما سنجده قد يساعد
في رتق الجرح، أم تمزيقه وصنع جرح آخر.

في تلك اللحظة
تشتاق أكتافنا إلى كف تقفز فوقها، وما بينهما
إلى رحلة إلى أرض ثالثة ينام الحزن عليه.
وقطارين يمضيان بإتجاه عكسي مائل على الخدين
يمسح من على السكة ما نحسبه دمعة.
نكون في لحظة كسراج نفخ فيه؛ فَبُثَ فيه من موت
فلم يعد ينير شيئًا، يمسي داخلنا مظلمٌ وكأن السواد
بصق بوجه كياننا، وسماؤنا خاوية من النجوم
فكل النجوم ركلتها الدنيا تسقط شهبًا يفرح برؤيتها
كل عدو لنا مر عابرًا بملامحنا.
نستلقي على الأرض ومن هول ما بنا، نجد أن الأرض من تستلقي علينا
فننام مثقلين
منتظرين الغد؛ فحقيبة الغد، علّ و ربما تخفي شعورًا أجمل
يٌغَيّب هذا الشعور في جوفها بلا عودة، وكأن ظاهر الحقيبة
شمس ساطعة، وجوفه ثقبٌ أسود لا يترك أثرًا لهم دخله

يضع الظلام سبابته تحت ذقن الضوء
يتغزل به، فيدلق حياءه مع أولى نسمات الصباح
نستيقظ، فننسى كل شيء حدث بالأمس
كما سينسى البقية هذا النص.

*جزء من النص مفقود لم يتمكن الكاتب من ترجمته.

3-6-2013

ليتني لست مكانه

20232900_10155359582130446_269131498027709967_o

أول ما يسبق الإنسان هو الفرضيات. تسبق قراراته وآرائه فرضيات لا يمكنه التخلي عنها حتى يحل محلها الواقع، أو قد تبقى على ما هي عليه، قد يفترض من يقرأ نصوصي أنني خريج كلية آداب، ولن يأتي في باله لوهلة أنني قد أكون خريج هندسة حاسوب وهو ما أنا عليه. وهذه الخصلة هي التي تجعل الإنسان كيان صانع ومطلق للأحكام، هذا ذكي، هذا مغفل، هذا فقير وهذا غني، وهذا “مبهدل”. ولهذا أحكامنا دائما سطحية وساذجة وقشرية جدًا، لا تملك من المقومات ما يعتمد عليها كرأي، ولا تفتقر لما يبقيها مجرد انطباع، هي نتاج اجهاض مفاجئ لعقلانيتنا.

يحدث أن ترى مشهدًا رجل يشد طفلة بعنف وهي تصرخ، تراودك فكرة أنه رجل يحاول اختطافها، ثم ومن خلف المشهد تبدأ في قراءة تقاسيم وجهه ووجهها، وتبدأ في ملاحظة الفروقات السبعة، وبعد أن تثبت لنفسك ألا شبه بينهما وأنه من الممكن ألا يكون والدها، تكتشف أنك ورغما عنك قد أطلقت حكمك. تمر بعدها مباشرة بفتاة وقد تكشف جزء من صدرها، تنظر باهتمام كبير، ثم تدير وجهك وتترك عينيك عند عتبتيها، وتقول في نفسك هذه منحطة وتريد أن تغري الناس، وفجأة تتعثر أمام مشهد احمرار وجهها وقد امسكت بفستانها الذي فكت ازراره. تنظر لأحدهم يتناول طعامه بشماله، تستغفر الله وتشتمه مع اصدقاءك، ثم يغيب عن المشهد أن يده الأخرى مبتورة. تهمس لصديقك “صديقك هذا مدلل، انه لا يشرب سوى المياه المعلبة، كيف سيعيش لو سافر لأفريقيا!” ولا تريد أنت أن تتقبل فكرة أنه لم يعتد سوى أن يشرب هذه المياه، وبينما أنت عائد لا تنفك تواصل رمي أحكامك يمنة ويسرة حتى تصل إلى منزلك معتدًا بنفسك وقد مارست دور الرقيب على العالمين.

في خضم نقاشنا سألني صديقي: هل تستطيع ألا تحكم على الآخرين، قلت بثقة مهزوزة: أحاول ذلك، فأنا اترك الخلق للخالق قدر ما جاهدت نفسي. لكنني لا أستطيع ألا أكون مطلقا للأحكام على أقل تقدير داخل زنزانة افكاري المتهمة. فتلك الأحكام نتيجة ما تشربناه وتربينا عليه وتوارثناه في أزقتنا الثقافية. لكن ما أحاول صنعه ألا أؤثر على من هو أمامي بأحكامي، وألا تخرج من سجنها، وإن حاولت الخروج، وضعتها في سجن انفرادي، معلقٌ في جدرانها كل عيوبي. فمتى يذكر الفرد عيوبه، يقل انتقاده وحكمه على الآخرين. قال لي: إذا نحن كما أردت أن اخبرك لا نستطيع إلا أن نكون قضاة لمتهمينا الذي لا يدركون أنهم في قاعة محاكمنا. ابتسمت وقلت نعم، ولكن يجب علينا ألا نحاكم الآخرين، ننظر لهم شزرًا، نتمتم بلعناتنا وشتائمنا، نردد هذا خطأ وهذي غير أخلاقي ولو كنت مكانه.

كثيرًا ما رددنا جملتي ليتني كنت مكانه، أو لو كنت مكانه. الأولى تمني ما في يد الأول، وهي فخ الأنانية الذي نهوي فيه دائمًا، فأنت لا تعلم بماذا ضحى حتى يصل، وكم يقاسي حتى يستمر في هذا المكان. والثانية محاولة تقييم الآخرين تبعًا لأخلاقياتنا وقدرتنا على أن نكون أفضل منه، أكثر احسانا، أفضل هندامًا، أو حتى أكثر ثباتا أمام الصعاب.

دائما ما يظن الفرد أنه القاعدة الذهبية، أو المعادلة الكونية التي إينما وضعتها ستخرج لك أفضل النتائج وأجمل اللوحات الأخلاقية، لو رأى رجلًا يضرب ويهان ذليل لا يملك حيلة سيهم بقول “لو كنت مكانه لطمست أنوفهم”، وهو من حيث لا يدري يغلف نفسه بحالة من المثالية الكاذبة، هو يزعم أنه أكثر شجاعا من الرجل الماثل أمامه، ولو كان حقًا مكانه لكان أول من يخنع. ولو فرضًا افتراضًا أنه شجاع حقًا وسيقف في وجه هؤلاء جميعهم، فإنه غفل عما يغفل عنه الناس حال اطلاق احكامهم، وهو “ما الذي يدريك ما الذي مر به هذا الرجل في حياته ليقبل كل هذا الذل والضرب، كم ابنًا يعوله، بماذا تم تهديده، هل يملك بنية قوية أم أنه مريض يعاني، كم مرة وعد زوجته بأنه لن يقحم نفسه في مشاكل وهو ما حذى به للاستسلام، أفكار كثيرة قد نجهلها ونركلها في لحظة واحدة، لحظة مطلقة الظلم.

لو كنت مكانه هي أكثر الجمل ديكتاتورية، فنحن نفترض أننا وما بداخل رؤوسنا هو الصواب، وأن كل ما لا يعجبنا أو لا نستطيع فهمه أو تقبله أو حتى تفهمه لا يعدو كونه قلة أدب وسفالة وجبن وحماقة وغباء. لو انتحر أحدهم سيقفز البعض ويقول: “هذا غباء كيف ينتحر، حتى لو كانت حياته سيئة يجب أن يصبر، لو كان صالح ما انتحر، لو كان عاقل ما انتحر” وقائمة التهم تنهمر كالمطر أمام جثة هامدة تركها صاحبها، يتنازعون أمرها.

الانتحار ليس شيئًا سهلًا ولا حتى مستساغا لمن يفكر في الانتحار، ولا ينتحر الشخص من حيث يريد، ولكنه وصل مرحلة من البؤس والقنوط واليأس والكآبة تبعًا لظروفه ما لم تحتمله نفسه ولم يقوى على التغلب عليه عقله. الشخص الذي يمر بحالة الكآبة قد يظن نفسه عالة على أهله، ويظن أن أفضل ما يقدمه لهم هو أن يخلصهم منه ومن تقلباته النفسية، قد يكون وصل إليها بسبب تحرش أو حالة اغتصاب في الصغر، قد يكون بسبب معاملة قاسية من أهله، أو حتى من التنمر المستمر من زملاءه، أو سخرية الناس من شكله، أو حتى ملاحقة العالم لفضيحة ألمت به لم يجد لها من مفر سوى التخلص من حياته. لهذا اتعاطف كثيرا مع من تخلصوا من حياتهم بسبب ما كابدوه من مشاعر لا يعلمها سواهم.

مشكلة بعض العامة وربما أغلبهم أحيانا، أنهم يظنون أن خبايا الناس كلها متشابهة ومتساوية، ليس البشر جميعا متشابهون من الداخل، وإن تشابهوا في القشور، فالشخصيات تحدد تعاطي الفرد مع المواقف، فمثلًا، لو أنك احضرت زجاجتين فارغتين وألقيت بهما من ذات الارتفاع وعلى نفس السطح وبنفس الزاوية، هل من الضروري أن تنكسر الزجاجتان؟ بالطبع لا، فقد تنجو إحداهما، وحتى لو انكسرتا، فإحدى الزجاجات ستتحول لشظايا صغيرة مبعثرة، بينما الأخرى قد تتحول لسلاح قاتل، رغم أن الزجاجتين مهشمتين عمومًا لكن النتيجة النهائية مختلفة جدًا.

لذا لا تنتظر أن يتحول كل ضحية إلى سلاح، ولا تغضب إن تحول إلى حطام، ففي الختام، دواخلهما مهشمة مهما بدت صلابتهما من الخارج، حتى معادلة “حط نفسك مكانه” أي أن تطلب من أحدهم أن يحس بالآخر غير منصفة هي الأخرى، فكل شخص له كيانه وطريقة تفكيره، حالته الذهنية في تلك اللحظة، وظروفه التي لن تتشابه معك وإن جمعتهما في غرفة واحدة.

يجب أن نغير نظرتنا للآخرين ونتوقف عن إطلاق الاحكام على تصرفات الآخرين؛ فنحن لم نذق الآمهم، لم نجرب جروحهم، لم نعبر من خلال همومهم، لم نتخيل حتى الظروف التي مروا بها لتصنع بهم ما صنعت، كونك نجوت بأعجوبة من الهموم والمشاكل والاضطهاد والاستغلال والتحرش، لا يعني أن الكون كله محظوظ مثلك.

مدرسة العنف

19488637_10155275842560446_6735619444141619617_o

“خذوا اللحم ورجعولنا العظم” جملة لازلت أحفظها عن ظهر قلب، فبسببها رأينا أساليب التعذيب في المدرسة، كان حقا ما يبقى سليما منا هو العظم، وغالبا ليس بسبب سلوك سيء قام به الطالب، بل بسبب مدرس سيء.

التربية تسبق التعليم، والتربية صناعة مشتركة بين البيت والمدرسة، وللأسف كل طرف يلقي بالمسؤولية على الآخر، فالأب يعول على المدرسة، والمدرس يعول على البيت؛ فلا يتابع حالات الطلبة ويتعاطى مع كل طالب على حِدة بالأخص أولئك الذين يواجهون صعوبة في مواكبة زملائهم، فيبدأ الطالب في التأخر عن تحصيل التعليم مع زملائه لأنه يقع بين مطرقة وسندان، ويبدأ مستواه في التدهور ورغبته في الذهاب إلى المدرسة تخبو، هذا في أفضل الحالات، وفي أسوأ الحالات يعاني من الضرب والعنف من المدرسين. نعم منع الضرب في دول عديدة، ولكن العنف لا زال موجودًا، فنحن للأسف نصنف العنف على أنه شيء جسدي، ولكن عالميا يصنف العنف اللفظي كذلك كنوع من أنواع العنف والإساءة للأطفال.

في عدة مواقف في المجمعات، كانت تتضح قسوة بعض الآباء والأمهات في التعامل مع الأبناء، وفي آخر مشهد رأته زوجتي سألتني بتعجب: لماذا يعاملون أبنائهم بهذا الشكل، ضحكت وقلت: ومن أين بظنك يخرج مدمني المخدرات وأصحاب الأمراض النفسية، والقساة والمجرمين والعصبيين وبائعات الهوى وهؤلاء أنفسهم من أين جاءوا. دونت هذه الخاطرة في انستقرام فجاءني أحد المتابعين وقال: “من كف واحد ينقلب شاذ!” كنت أود أن ألومه لجهله، ولكن تذكرت أن جهله يعود إلى أنه الآخر اعتاد على رؤيته حوله.

يظن الآباء والمدرسين أن العنف والضرب وسيلة للتوجيه، وهذا الظن لم يخرج من فراغ، فهم أنفسهم تعرضوا له في طفولته ويظنون أنه نجح معهم وصنع منهم قادة وعلماء ورواد فضاء. ولكن الواقع عكس هذا فالساقطات يملأن الطرقات، والمجرمين يملئون السجون، والقتلة معلقين بحبل مشنقة مؤجل، وعلى مقربة منهم إبرة مخدرة في يد جرعة زائدة ممدٌ جسدها على قارعة الطريق.

سلسلة العنف والإساءة تستمر ويحملها جيل خلف جيل، سلسلة لا يمكن أن تكسر بسهولة، فمن اعتاد الشيء لا يمكنه التخلص منه بسهولة، فالأجيال الماضية من خريجي ما أسمه بمدرسة العنف، البعض لا يظن بل يؤمن أن علاج كل عناد وكل سلوك خاطئ هو العنف. وكل ما يصنعه المعنف أنه يؤجل سلوكيات الطفل إلى حين تقوى بنيته، حينها سيصبح الضحية جانٍ على من عنفه أو على ذريته، سيهمل والديه، وسيقطع علاقاته مع أهله ويكره أخوته، سيكبر وسيزيد الشرخ في العلاقات وتنبت بذرة النفاق في أفضل الإحتمالات.

إهانة الطفل تضعف شخصيته، وليتمكن فيما بعد من فرض شخصيته يتحول لشخص متنمر، التحقيق الطويل مع الطفل يدفعه للكذب واختلاق القصص الوهمية، العنف والضرب يجعل الطفل عنيدًا وانطوائيا ويجعله يختلق شخصيات خيالية يعيش معها بالشكل الذي يتمنى، السب والشتائم يحول الطفل لصراف آلي عملته الشتائم. العنف اللفظي أحيانا أسوأ من الجسدي، فالطفل الذي يكبر بكلمات تحبطه وتهينه وتقلل من شأنه تتحول لنمط حياة في المستقبل، فمن يردد لأبنه أنه فاشل لن يصنع منه رجل أعمال، ومن تردد لأبنتها أنها عاهرة لن يصنع منها فتاة مستقيمة.

العنف ليس وسيلة تربية، والتربية ليست صناعة سهلة؛ فهي تحتاج للكثير من الصبر، الكثير من التفكير والكثير الكثير من الاهتمام والمتابعة. الطفل يبدأ في رسم كيانه وشخصيته المستقلة مع تقدمه في العمر، لذا لا ترفض لأبنك شيئًا دون مبرر، علمه دائما أن هنالك سببًا لرفضك، ولا تعتقد دائمًا أنك ستهديه صراطك المستقيم دون اجتهاد وتعب ومتابعة، وتذكر أن الطفل المطيع بالضرب مشروع إنسان فاشل اجتماعيا، مشروع إنسان مؤهل بدرجة كبيرة لفعل كل ما مُنع منه بالضرب في المستقبل، بل وسيخلق عالمًا خاصًا لا علم لأحد به، يمارس فيه أسوأ الأفكار التي تراوده، وفي أسوأ الحالات يميل كثيرًا لارتكاب الجرائم.

الرجل الشرقي يعتقد أن العنف طريقة لكبح انحراف سلوكيات الفتيات، فيرغمهن على كل شيء بالقسوة والعنف، يتحكم بكل شيء يخصهن، كيف يلبسن، ماذا يفعلن، أين يخرجن، يتجسس عليهن حتى داخل الحمام، وذلك لعدم ثقته التامة بمخرجات تربيته لهذا يحاول إبقائها في سجنه أطول فترة ممكنة قبل أن تخرج من جلبابه، ليس خشية عليها، بل خشية مما قد يقوله الآخرين. وإن حصل وانحرف سلوك فتاة، فإن جرائم الشرف هي النهاية الحتمية لكل فتاة، فرجولة الذكر الشرقي مهزوزة جدًا لدرجة تجعله يفعل ما يمتنع عنه كفار قريس ظنا منه أنها وسيلة استقامة، وكل ما في الأمر أنه يؤجل مصير الانحراف حتى تكبر ولن يكون هنالك طريق عودة، والمصيبة أنه يظن أن رجولته مرهونة بكيان آخر مضطهد يسمى أنثى، مرهون بلبسها، بشكلها، بحجابها، بنقابها، وحتى برائحتها، هذا في أفضل الحالات، أما في أسوأها فيظن أن رجولته مرهونة بكل شيء في الكون، عقد النقص تلك التي يبدوا أننا سنعيش معها قرونا كثيرة، حتى تحظى المرأة على أبسط حقوقها، أن تحيا كإنسان.

في مقابلة لنجمة أفلام إباحية معتزلة على اليوتيوب عندما سُئلت عن سبب اختيارها لهذا الطريق قالت: خرجت من بيئة أسرية سيئة، وكنت أريد الشعور بأنني أملك قرار نفسي ولا لأحد آخر سلطة علي، وبدأت هذا المشوار عند بلوغي الثامنة عشر، وقالت أن أغلب المحيطين بها في المجال من مخرجات العنف المنزلي واستغلال الأطفال، وقليلين هم من تقودهم الحاجة المادية لهذا المجال، وأهم المشاعر التي يبحث عنها هؤلاء، امتلاكهم لقراراتهم، وسلطتهم على أجسادهم.

يعتقد الآباء أن تدليلهم المفرط لأبنائهم وإغداقهم بالألعاب والهدايا والحلويات يصنع هو الآخر أبناء طيبي الأخلاق، أو حتى يحل محل اهتمامهم ومتابعتهم لهم. الإهمال نوع من أنواع العنف، وهو النوع الخفي منه، فمن يظن أن التربية توفير كل احتياجات الطفل المادية قد خاب، فالإنسان مجموعة من المشاعر والأحاسيس التي تمتلك جسدًا تديره، لذا وجب الاهتمام بتلك المشاعر واحتوائها، فمن لا يجد الاحتواء الداخلي، سيبحث عن الخارجي وإن كان مجرد وهم يطارده. ومن يرمي أطفاله سنوات في ركن الإهمال لا يتوقع أن يستعيد ثقة ابناءه به بسهولة، أو حتى بصعوبة، فليست كل جرة تقبل الإغراء بالغراء، وهنالك من لا يوفر احتياجات الأبناء المادية والمعنوية، وهو أشد أنواع العنف الخفي، فالبعض يظن أن من فضله على أبنه أنه أخرجه للدنيا، وينسى أن فضل ابنه عليه أنه لم يكن ليصبح أبًا لولاه!

نختم بهذه الأرقام التي قد لا تعنيك أو قد تكون جزءً منها:

في عام 2015 أشارت الدراسات إلى أنه توفي ما عدده 1067 طفل بسبب العنف الأسري

24 طفل من بين كل 1000 حول العالم يتعرض لإساءة المعاملة.

تأثير العنف لدى الأطفال الذين تعرضوا له:

38% ارتفاع في نسبة ارتكاب جرائم عنف.

84% من المساجين تعرضوا لسوء المعاملة والاستغلال في سنوات الطفولة

59% قابلية الأطفال عند بلوغ سن الحداثة أن يتم اعتقالهم.

28% قابلية تعرض الأطفال للاعتقال كشخص بالغ.

60% وأكثر من الأشخاص الذين يتم علاجهم من المخدرات تم إساءة معاملتهم كأطفال.

80% من الأطفال الذين تعرضوا للعنف أو الاستغلال يعاني من حالة اضطراب نفسي واحدة على الأقل كشخص بالغ.

هذا عدى الأذى الجسدي والتشوهات والإعاقات والجروح الغير قابلة للعلاج والتي تعيش معه طوال العمر، وأمور أخرى لا يكفي المقال لسردها.

همسة أخيرة: التربية ليست مهمة يوم واحد، التربية ليست زكاما أخلاقيا يحتاج لمجموعة أدوية ليزول. التربية رحلة طويلة، زادها الصبر والحكمة والكلمة الطيبة ووقودها الحب، البيت غير الصحي مخرجاته لن تكون صحية أبدًا، وتذكر أن العنف والضرب لن ينجب ملائكة، والإرغام لن يولد سوى النفور والعناد والنفاق، وما تظن أنك ملكته بالعنف، ستخسره بعنف، وتذكر ألا يقودك حرصك على أبنائك إلى تشويه أشكالهم أو اجسادهم أو حتى شخصياتهم، ويجب أن تكون أول من يرفض أن يدخل أبنائه نفس المدرسة التي تخرج منها، تلك المدرسة التي أسميها مدرسة العنف.