كلنا نختبئ خلف حاجزنا الورقي المسمى بالفضيلة، وما أن يمزق ذلك الحاجز حتى نطفق خصفًا من ورق التبريرات التي نستر بها ما انكشف، هذا الحاجز نخفي وراءه كل عيوبنا، كل أسرارنا، كل نزعاتنا ورغائبنا التي نحاول سترها ليل نهار بكل ما أوتينا من قوة ومن رباط الخير، لا أحد لا يملك خطيئة، أو عيبًا لا يريد لأحد حتى الله أن يراه. وهذا الافتضاح الذي يحصل بإرادتنا أو دون ذلك يعتبر فضيحة، أيًا كان الشخص وأيما كان المجتمع الذي فيه والذي يحدد شكل الفضيحة وحجمها.
في البدئ يجب الفصل بين الفضيحة الجنسية، والفضيحة كمفهوم عام أي ما يحاول الآخر إخفاءه من عيوب. مطاردتنا للفضيحة الجنسية لا يقارن بباقي الفضائح، فهي تعيد رسم خيالاتنا ورغباتنا، فأحيانا نتمنى أن نكون برفقة هذا الشخص، ومعرفة تجربة الحب معه، وملاحقة هذه الفضيحة تتيح لخيالنا الفرصة بأن نجنح قليلًا من الخيال التام، إلى الخيال المربوط بحقيقة مرئية وشبه ملموسة، فمطاردتنا لها دافعها اللاواعي، وهو أحيان الرغبة الخفية. ليس بالضرورة تلك الرغبة مرتبطة بشخص تحبه، أحيانا بالمشهور أو قالب الشهرة بحد ذاته، فهو بعيد المنال غالبًا، وهو يبدو أكثر جاذبية من غيره بسبب هذا البعد الكوني الذي خلقه حشد من المعجبين والمتابعين. جانب آخر وهو بحثنًا عن تلك التفاصيل التي تخفيها الثياب والأخلاق، فهي لا تظهر لنا الجانب الآخر من الشخص، الجانب الذي قد لا يدركه إلا أقرب المقربين، وهي نزعة من فضول لا يؤمن بالقيود
نحن نحب الفضائح، بل أكثر من ذلك؛ نحن نعشقها، نحب أن يكون الآخر دائما متاحًا، دائمًا معيوبًا، لا نحب ما نراه منه عبر فضائله وحكمته وإحسانه، لا نحب ان نراه خلف نجاحاته ومقابلاته وانتصاراته، فنحن نحاول أن ننتصر على عقد نقصنا بهذا الشكل أحيانًا، وأحيانا أخرى نود أن نشعر بأننا طبيعيون، نخطئ كما ذلك الذي بنينا له تمثالًا في أذهاننا، على الرغم من أنه لم يُطلب منا ذلك، يبدو دائمًا البقاء في الجانب الآخر سهلًا، حيث يمكنك أن تلقي أحكامك على الآخرين، وتتفرد بسلطتك التي تظنها وهبت لك حال وقوع الآخر في خطأ.
ربما تشعرنا الفضيحة بأننا أفضل من الآخرين -وإن لم نكن كذلك- وأننا أكثر استقامة وكمالا، نحاول أن نجد طريقة لهدم الصرح الذي بناه هذا الممثل أو تلك الفنانة وهذا المقدم، قد نظن أن سبب فشلنا هو نجاح هؤلاء، فلو منحنا ذات الجمال، ذات الصوت، أو حتى ذات الكاريزما لربما كنا مكانه، نحن نكشف ونفضح أنفسنا في خضم هذا السعي عن عدم رضانا الداخلي، عن حالات انهزامنا أمام الحياة التي نظنها لم تنصفنا كفاية، وانصفت كل هؤلاء.
اما الجانب الأبرز في القضية هو الفضول، الإنسان يحب أن يعرف، أن يعرف عما يخصه وما لا يخصه، والفضيحة تبدو مادة مثيرة للانتباه، لمدى الأثر الذي تسببه تلك الفضيحة، لأنها تؤثر على الشخص ومن حوله، وتغير حياته أحيانا بشكل تام، وهذا يخرجنا من الأحداث الروتينية إلى حدث مُغرٍ، وهذا الفضول نفسه يدفع الناس للتلصص والنظر عبر نوافذ الآخرين.
الفضيحة تساعدنا أحيانا في تفادي الافتضاحات، والتفكير في كيفية التعاطي مع الفضيحة في حال كنا مكانه، وما يدور في عقل المتلقي للفضيحة عدى تمنيه ألا يكون مكانه، هو التحليلات والتخمينات والمخارج التي يبحث عنها لينأى بنفسه عن ما قد يحدث الفضيحة، أو يهذب تصرفاته بحيث يتخلص من مسبباتها. الفضيحة تبدو ورغم خطورتها، موضوعًا مثيرًا يصلح للدردشة، مهمًا يصلح للنقاش، مسليًا أحيانا، يصلح للضحك وإلقاء النكت.
دعنا لا نكن مثاليين بعض الشيء، ولنكن أناسي، لست بالضرورة شخصًا سيئًا حين تبحث أو تصغي باهتمام إلى فضيحة، أو تناقشها، كل ما في الأمر أنك إنسان، ربما كل ما في الأمر أنك تود أن تعرف، وإن لم تكن مهتمًا بالفضيحة، ولم تبحث أبدًا عنها، أبدًا أبدًا…. اقترب لحظة، انظر في عيني، آه صدّقتك الآن، يبدو أننا بحاجة لنسخ عديدة منك، أو ربما ببساطة، نحن بحاجة لأن نتعلم كيف نتعاطى مع الفضيحة، ألّا نحولها لموضوع نقاش، ألا نشارك ما يصلنا مع الآخرين، فقد نكون يومًا ما بين زوايا المستطيل الذي يسمى بالهاتف، يتبادلنا الناس، ينظرون إلى سروالنا الذي تمزق، ورسائلنا الغرامية التي تسربت، وصورنا المضحكة التي نحتفظ بها دون أن ندري لمّ نفعل ذلك، حينها سنتمنى حقًا، لو كان العالم كله فاضلًا مثلك، لا يشارك فضائحك، لا يحولها لنكتة، لا يلوح بها لك، كلما وقفت على المسرح لتقول شيئًا مفيدًا للآخرين، ليذكرك بأنك ملطخ بالخطيئة التي لا يمكن للزمن أن يغسلها، وحينها فقط، قد تتمنى لو أن الأرض انشقت، أو السماء انفطرت، أو أنك كنت نسيا منسيا. وتذكر فقط، أن حرفًا واحدًا يصنع الفرق بين الفضيلة والفضيحة، حاول أن تتجنبه قدر الإمكان، وستجد حرف الحاء يطاردك في عين حاقد وحاسد، فتجنب أن تكون أحدهما.